دوريت أهارونوف
تُعد قطة شرويدنجر صورة شعبية لنظام كَمِّي كبير، لكن النمر البري قد يكون أكثر ملاءمة. وبعد كل شيء، فإن وصف الطور الكمي لعدد أقل من 1000 غزل كمي قد يتطلب 21000 من المُعاملات، وهو عدد يفوق عدد الجسيمات المقدَّر في الكون! تلك الأطوار الكمية المعقدة أُسِّيًّا هي ما ستستخدمه بالضبط حاسبات الكم المستقبلية؛ لتحقيق سرعات رائعة تفوق الحسابات التقليدية، لكنّ زيادة التعقيد هذه سيف ذو حدين: أي أن النظم الكلاسيكية أيضًا لا يمكنها محاكاة النظم الكمية المعقدة بأي قدر معقول زمانيًّا ومكانيًّا، وبذلك لا يمكن التنبؤ بسلوكهم، ولا اختبار إنْ كانت تَسْلُك المتوقَّع منها. وهناك سبب وجيه لعدم الثقة بأجهزة الكم: فهي هشة للغاية ومعقدة، وتصعب السيطرة عليها. هل يمكننا أن نطلق سراح «النمر الكمي»؟ هل يمكننا اختبار إنْ كانت نظم الكَمّ المعقدة تتصرف كما ينبغي، بينما نثق فقط بأجهزتنا التقليدية القديمة الجيدة؟ لقد أثبت رايشارت وزملاؤه ذلك؛ وكانت الإجابة المعجزة: نعم.
كانت نقطة البداية للمؤلفين هي لعبة اختبار CHSH، حيث يلعب طرفان غير متواصلين ضد الحَكم (انظر الشكل 2 من البحث). ونمطيًّا، يمكن للاعبين الفوز بنسبة %75 من الوقت فقط، لكن إذا تشاركوا طورًا كميًّا خاصًّا، يُسمَّى طور «أينشتين–بودولسكي–روزِن» الكمي (EPR)؛ فإن احتمال الربح يصبح %85. تجسِّد هذه النتيجة ما سماه أينشتاين «فِعلًا شبحيًّا على بُعد مسافة ما»، ويسمى كذلك «تشابكًا كميًّا»، يوفر وسيلة لاختبار ما إذا كان نظام الطرفين غير المتواصلين في طور ميكانيكي كميًّا، أم لا: العب لعبة CHSH وكرِّر اللعب، كل مرة بالحالة الابتدائية ذاتها، وانظر هل اللاعبون سيفوزون بأكثر من %75 من الألعاب، أم لا.
والآن، دعنا نعكس هذا المنطق. اتضح أنه إذا فاز اللاعبون في %85 من الألعاب، فإن حالة مشاركتهم الابتدائية يجب أن يكون لها طور «أينشتاين-بودولسكي–روزِن». إنّ إسهامات رايشارت وزملائه التقنية الرئيسة هي إصدار جديد قوي متعدد الألعاب من هذا الادعاء: إذا لعب اللاعبان ألعاب CHSH مرات عديدة في تتابع، بدءًا بطور ابتدائي تعاونيًّا متعدد الجسيمات، والفوز بما يقارب نسبة %85 المثلى من مرات اللعب، فينبغي أن يكون طور اللاعبين بكامله قريبًا من أطوار «أينشتاين-بودولسكي-روزِن» المستقلة على بعضها البعض. وهذا يعني أكثر بكثير من مجرد التحقق من حالة النظام الـ«كَمِّيَّة»، فهو يوثق حالة محددة لنظام كمي متشابك ضخم، ويفعل ذلك ببساطة بطرح متتابعة «أسئلة وإجابات» كلاسيكية على النظام الخاضع للاختبار (الشكل 1).
والاستيثاق من تشابك الأنظمة الكمية متعددة الجسيمات له معنى ضمني مهم بالنسبة إلأى علم التشفير عالي الأهمية أمنيًّا. التوزيع الكمي الأوليQKD ذروة علم التشفير الكمي هو برتوكول يتيح بشكل لافت بتواصل طرفين سرًّا، حتى لو كان العالَم بأكمله يحاول التنصت. ومع ذلك.. فإن تحقيق ذلك البروتوكول ليس مأمونًا تلقائيًّا بسبب عيوب بتلك الأجهزة. فمثلًا، تصدر أجهزة التوزيع الكمي الأولي أصواتًا تكشف معلومات حول الأسرار المتبادلة، مما يجعلها آمنة فقط ضد المتنصِّت الأصم. وقد وُجِد مرارًا أن تطبيقات التوزيع الكمي الأوَّلي غير آمنة وتتطلب تصويبات بسبب تلك الأمور. في 1998، تصوَّر مايرز وياو استخدامًا توثيق التشابك لتحقيق توزيع كمي أوَّلي «مستقل على الجهاز»، وهو آمن، حتى إذا كانت الأجهزة الكَمِّيَّة المستخدَمة لتواصل الطرفين مصنَّعة لدى المتنصِّت نفسه. وبعد 15 عامًا من التقدم الجزئي المهم بواسطة باحثين آخرين، صنع رايشارت وزملاؤه أخيرًا القفزة النظرية المفقودة نحو هذا الهدف، إذْ قدَّموا توصيفًا لبروتوكول توزيع كمي أوَّلي، وبرهنوا أنه آمِن حتى عندما تكون الأجهزة مصمَّمة بشكل كَيْدي.
ويمكن توسيع بروتوكول المؤلفين؛ لاعتماد التطور الزمني الصحيح للتشابك بداخل الأطوار الكمية التي تُعَدّ أكثر تعقيدًا من مجموعة أطوار أينشتاين، وبودولسكي، وروزِن (EPR) المستقلة. وبكلمات أخرى.. يشهد بروتوكولهم الموسع أن حسابات كمية عامة تم أداؤها كما زُعِم. كيف لتجريبي كلاسيكي التحقق من أن تلك الأطوار الكمية تم توليدها، رغم أنها أكثر تعقيدًا ـ بالنسبة إليه أو إليها ـ من أن تكتب؟ وقد سبق تحقيق هذه المهمة باستخدام اختبار «ميكانيكي كَمِّي» بدرجة ما. قدَّم رايشارت وزملاؤه بمهارة اختبارًا تقليديًّا تمامًا باستخدام نهج مشابه بنهج شُرطِيّة تستجوِب لِصَّيْن عن جريمة لا تعرف عنها شيئًا؛ فتبحث عن تناقضات في إجاباتهما، وتمنعهما من تنسيق ردودهما. الافتراضات الوحيدة في بحث المؤلفين هي أن الحاسوب الكمي قيد الاختبار يمكن أن ينقسم إلى جزءين (طرفين) غير متفاعلين، وأن المُخْتَبِرين يمكنهم التواصل فرديًّا مع كل طرف.
ينبغي أن يصبح تطبيق بروتوكولات رايشارت وزملائه عمليةً، أي أكثر كفاءة، وتتحمل الخطأ. ومع ذلك.. تثبت البروتوكولات صحة مبدأ أنّ اختبار العمل الداخلي للأنظمة الكمية المعقدة اعتباطيًّا أمر ممكن، دون التدخل بفرضياتها. وسوف يتيح وضع البروتوكولات موضع التنفيذ اختبارات جديدة أكثر صرامة ـ بشكل كبير ـ لأجهزة معالجة المعلومات الكمية أكثر ممّا تمَّ سابقًا.