يُعدّ تمييز حالة وديناميات نظام مجهول مسألةً أساسية لمعظم الأنشطة العلمية. إنها عملية معقدة، تتضمن اكتساب وتفسير بيانات من مختلف الآلات، وتعتمد غالبًا على نماذج سابقة وتقريبات بحاجة إلى التحقق من صحتها لاحقًا. ماذا نستطيع أن نقول عن سلوك نظام، لدينا عنه أدنى قَدْر من معلومات؟ لقد نظر رايشارت وزملاؤه في الحالة القصوى، حيث نظام كَمِّي ـ يُنظر إليه كصندوق أسود من منظور مراقِب خارجي ـ يمكن سبر غوره فقط عبر وسيط كلاسيكي رقمي بسيط: يستطيع المراقِب أن يسأل سؤالين فقط، وذلك بالضغط مثلًا على مفتاح 0، أو مفتاح 1؛ ويمكن للنظام تقديم إجابتين فقط: 0 أو 1، حسب ـ على سبيل المثال ـ لمعان أحد ضوءين، أو عدم لمعانه (الشكل 1).
الشكل 1 | التفاعل الكلاسيكي مع نظام كَمِّي. يعرض رايشارت وزملاؤه نظامًا كَمِّيًّا معقدًا اعتباطيًّا كـ«صندوق أسود» بمدخلات ومخرجات كلاسيكية بسيطة. يستطيع الباحث التجريبي أن يسبر غور النظام فقط بالضغط على مفتاح 0، أو مفتاح 1، وتكون مخرجات النظام إجابتين ممكنتين فقط، وهما: 0 أو 1، تبعًا للضوء اللامع يمينًا أو يسارًا.
لا يعلم المراقب ما يعنيه السؤال، أي الخواص قد سُبِرَت، ويجهل العملية التي أنتجت الإجابات. ويمكن طلب المعلومات من النظام عدد المرات التي نرغب فيها، لكن لا يوجد ضمان بأنها ستسلك الطريقة نفسها في كل مرة. والمعلومات التي يمكن الحصول عليها محدودة، بينما النظام وديناميّاته الكمية يمكن أن يكون معقدًا جدًّا.
في هذا السيناريو البسيط، يبدو الحصول على معلومات مفيدة عن الأعمال الداخلية للنظام المجهول ميئوسًا منه. ويمكن حقًّا لعمليات مختلفة للغاية إنتاج التتابع ذاته للإجابات، كما أنّ أيّ تتابع كهذا يمكن إنتاجه ببساطة بواسطة حاسِب تقليدي.
وهذا الموقف يصبح مثيرًا للاهتمام عندما يكون ـ حسب تقدير رايشارت وزملائه ـ هناك اثنان كتلك الأنظمة، «أ» و«ب»، عوضًا عن نظام واحد. إذًا، يمكن قول شيء غير تافه حول سلوكهما المشترك بمراقبة الارتباطات الممكنة بين هذين النظامين. فلنفترض مثلًا أنه عند سَبْر كلا النظامين، فإن النظام «ب» سينتج دائمًا إجابة مرتبطة بالسؤال الموجَّه للنظام «أ»: إذا كان سؤال «أ» هو 0؛ ستكون مُخرَجات «ب» 0، وإذا كان سؤال «أ» هو 1؛ ستكون مخرجات «ب» هي 1. وسيتطلب الأمر نوعًا من التفاعل بين الصندوقين لإنتاج هذه الوتيرة من الإجابات. وإنْ لم يكن التفاعل ظاهرًا في البداية، نكون قد تعلّمنا شيئًا عن الديناميّات المشتركة للأنظمة، رغم أننا ربما لا نزال نجهل العمل الداخلي لكل نظام بمفرده.
اكتشف جون بيل في عام 1964 إحدى سمات النظرية الكمية، تسمى «عدم الموضعية/ المحلية الكمية»، حسب أي زوج مؤكَّد من الأنظمة الكمية تُظهر ارتباطات قوية تقريبًا، كما لو كانا كيانًا واحدًا، رغم أنهما يبدوان منفصلين وغير متفاعلين. ولإثبات ظاهرة «عدم الموضعية الكمية» تجريبيًّا، صمَّم كلاوسر، وهورن، وشيموني، وهولت اختبارًا إحصائيًّا، يُعرف بالأحرف الأولى من أسمائهم (CHSH)، يمكنه كَشْف الارتباطات غير الموضعية بين الأنظمة، دون أي افتراض حول عملها الداخلي، كما في المثال البسيط السابق لمطابقة الأصفار (0s)، والآحاد (1s).
أظهر الباحثون منذ ذلك الحين أنه يمكن لاختبار CHSH، ليس فقط الكشف عن الارتباطات غير الموضعية بين صندوقين كَمِّيَّيْن أسودين، بل عن الخواص الفيزيائية الأخرى كذلك، كالعشوائية الكَمِّيَّة الناجمة عن الصناديق، أو ـ في بعض الأحوال ـ طورها الكَمِّي المشترك. وهذا ممكن، نتيجةً لكون النظرية الكمية تفرض علاقات بين انعدام الموضعية (المحلية) والسمات الفيزيائية الأخرى. لقد تَتَبَّع رايشارت وزملاؤه ـ في تلك الدراسة ـ مسار الاستدلال هذا؛ وحققوا اختراقًا تقنيًا، إذ برهنوا على أن وجود قدر كاف من عدم المحلية ـ كما يقيسها اختبار CHSH ـ يميِّز (تقريبًا) بشكل كُلِّي حالة الترابط المشتركة والحركيات الفرادى للصندوقين الكَمِّيَّيْن الأسودين.
وبالإضافة إلى ذلك.. أظهر الباحثون أنّ اختبار CHSH يمكن استخدامه كأداة لتحقيق الديناميّات الكَمِّيَّة الاعتباطية والسيطرة عليها لدى نظامين كَمِّيَّيْن غير مفاعلين، دون اتخاذ افتراضات حول بنيتهما الداخلية. هذه النتائج ليست فقط رائعة من ناحية المفاهيم، لكنها ـ كما نوقش سابقًا ـ لها أيضًا تبعات عميقة بالنسبة إلى حسابات الكَمّ العمليّة، وعلم التشفير.