إدريس
عليه السلام
﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا ﴿٥٤﴾ وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا ﴿٥٥﴾ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا ﴿٥٦﴾ وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا ﴿٥٧﴾مريم
﴿وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ ۖ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ ﴿٨٥﴾ وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا ۖ إِنَّهُم مِّنَ الصَّالِحِينَ ﴿٨٦﴾ الأنبياء
إدريس عليه السلام
بين المعنى اللغوي ووظيفة إدريس في الأرض ...
درس الشيء : عالج الشيء (ذَلَّلَهُ وروضه ) ليصبح مهيئا وملائما وصالحا لاستخدامه وتسهيل التعامل معه ، مما يسهل التعامل مع غيره من الأشياء والمواقف المشابهة له ( عن طريق نقل الخبرات المتعلمة سابقا في الموقف الأول مع مواقف أخرى جديدة مشابهة )
در س كتاب رياضيات : أي قرأه وحلله وفهمه (ذَلَّلَهُ وروضه)فسهل التعامل معه ومع غيره من الكتب المشابهة له
درّس الفرس : ذللها وروضها( دربها وعلمها وأدبها ) فسهل التعامل معها ومع غيرها من الخيل المشابهة لها .
... فإدريس هو المدرس بل هو من بلغ منتهى طرق التدريس العالم الخبير في فنه والقدير على ايصاله لغيره (بتذليل وترويض مختلف العقول عمرا ونوعا ) ولا يملك هذه القدرة إلا الملهم والموحى له والمتمكن من علمه والحذق الفطن البارع في أساليب ووسائل تدريسه المجبول على الصبر ولا يأتيه الخذلان من أي باب – فكل مدرس يتقى الله عز وجل ويصبر على عمله فهو في زمرة ( إسماعيل وإدريس وذا الكفل ) اللهم اجعلنا منهم .
... فقد يكون إدريس عليه السلام له الفضل في توطيد قدم بني آدم في الأرض بل وقد يكون له الفضل في وضع القواعد والأساسات التي بنى عليها بنو آدم حضاراتهم فيما بعد ولولاه بعد الله عز وجل بتسخيره للبشرية لبقيت تعيش هائمة حائرة في الأرض كالأنعام والبهائم فلا تعجب عندما ترى الحضارات القديمة أبدعت في علم اللغة والحرف والفلك والحساب والطب واستطاعت بحسابات دقيقة أن تشيد المباني الضخمة التي للآن يقف الفكر البشري حائرا في أمرها فقد تكون من نتاجات علم سماوي فقد كانت من مهمة الرسل الأولى حتى بعثة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم علاوة على تبليغ رسالة السماء مساعدتهم على فهم الواقع الذين يعيشون فيه في حياتهم للتعايش فيه وبالقدر الذي يحتاجون([1]) حتى كمل نضج البشرية في عهد رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم وأصبح المخزون المعرفي المتوارث يساعدهم على القدرة على العيش والتأقلم في الحياة الدنيا .
المعنى العربي والمعنى عند أهل الكتاب ( العبري ) لإدريس عليه السلام
وإدريس عليه السلام والله أعلم هو نفسه عند أهل الكتاب ( خنوخ ، أخنوخ )
ويلفظ إدريس عليه السلام بالعبرية بعدة طرق منها
أولا : חינוך ( خِنوخْ - khinukhe ) والتي معناها باللغة العربية ( تعليم ، تربية ، تنشئة )
جاء في صحيح ابن حبان في صحيحه "... وأخنوخ، وهو إدريس، وهو أول من خط بالقلم... "
وفي هذا الأثر تجد توافقا في أمرين في شأن إدريس عليه السلام مع أهل الكتاب ومع معنى اسمه في العربية
- توافق اسم إدريس مع معنى اسمه عند أهل الكتاب فمعنى ( خنوخ بالعبرية نفس معناه بالعربية إدريس )
- توافق معنى اسم إدريس مع الآلة التي كان يستخدمها وهي القلم ، فالقلم هو وسيلة تدوين العلم وحفظه للخلف .
ثانيا : إدريس عليه السلام يلفظ بالعبرية بعدة طرق ومنها( أخ نوخ ) ومعناها (أخ نوح) عليه السلام
جاء في صحيح ابن حبان في صحيحه "... وأخنوخ، وهو إدريس، وهو أول من خط بالقلم... "
وهذا يزيل الإشكال في الحديث التالي فقد جاء في الجامع الصغير وزيادته (ص: 518)" ... حتى أتى السماء الرابعة فاستفتح قيل : من هذا ؟ قال : جبريل قيل : و من معك ؟ قال : محمد قيل : و قد أرسل إليه ؟ قال : نعم قيل : مرحبا به فنعم المجيء جاء ففتح فلما خلصت إذا إدريس قال : هذا إدريس فسلم عليه فسلمت فرد ثم قال : مرحبا بالأخ الصالح و النبي الصالح ... "
﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴿٣٣﴾ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴿٣٤﴾آل عمران
فنبي الله محمد صلى الله عليه وسلم من ذرية إبراهيم عليه السلام وإبراهيم عليه السلام من ذرية نوح عليه السلام ولو كان إدريس عليه السلام من آباء نوح عليه السلام لكان نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم من ذرية إدريس ولحياه عندما إلتقاه بالسماء الرابعة مرحبا بالإبن الصالح و النبي الصالح ... كما حياه آدم وإبراهيم عليهما السلام وليس كما حياه إدريس عليه السلام مرحبا بالأخ الصالح و النبي الصالح ...
... فإن ذلك يشير إلى أن إدريس عليه السلام ليس من آباء نوح عليه السلام أو أحد أبنائه الذي يكون فيه محمد صلى الله عليه وسلم أحد ذراريه ... ومعنى ذلك أنه يبقى وجود احتمالين أن يكون إدريس عليه السلام
- الاحتمال الأول : من نسل إما حام أو يافث([2]) أبناء نوح عليه السلام وليس من نسل سام فالعرب من نسل سام
- الاحتمال الثاني : أخ نوح عليه السلام : وترجمة ولفظ أخ نوح بالعبرية أخ نوخ ( أخنوخ )، وهذا الإحتمال يتطابق مع الاسم والمعنى بالعبرية
- الاحتمال الثالث : من أبناء آدم عليه السلام قبل نوح عليه السلام بألف سنة ولكن نوح عليه السلام ليس من ذريته فقد تكون ذريته أهلكت بالطوفان .
تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (20/ 260) " ... فيما بين نوح وإدريس، وكانت ألف سنة ... "
قال الهلالي سنده صحيح ورجاله ثقات ( صحيح الأنباء المسند من أحاديث الأنبياء )
بين إدريس وإلياس عليهما السلام
تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (20/ 260) " ... فيما بين نوح وإدريس، وكانت ألف سنة ... " قال الهلالي سنده صحيح ورجاله ثقات ( صحيح الأنباء المسند من أحاديث الأنبياء )
... ولا أعتقد أن إدريس عليه السلام أنه النبي إلياس عليه السلام فبينهما بون شاسع واسع ونأيٌ كبير ممتد من الزمن
( نوح عليه السلام جاء بعد إدريس عليه السلام بألف سنة فإدريس عليه السلام من الرسل الأولى وإلياس عليه السلام بعث بعد سليمان عليه السلام – وهذا ما أميل له )... فهذا الأثر يشير إلى أن إدريس عليه السلام من الرسل الأولى الغابرين في القدم([3]) لأن معظم الأثريين اتفقوا على أن إلياس عليه السلام كان بعد موسى وهارون عليهم السلام .وقد أشرت في بحث يونس عليه السلام إلى أن إلياس واليسع ويونس عليهم السلام أنبياء في نفس الفترة الزمنية .
رفع إدريس مكانا عليا
﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا ﴿٥٧﴾مريم
الرفع : جعل شيء في مكان وقدر أعلى بالنسبة إلى شيء آخر بناءا على أمر ( ذو سلطان وقوة )
فرفع إدريس عليه السلام رفع مكاني حقيقي مع رفع معنوي لمقامه وقدره بأمر من الله عز وجل
والله أعلم
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) مثل كيف يزرعون وكيف يستخدموا النار وكيف يخيطوا الملابس وكيف يتأقلموا مع الفصول الأربعة وووو حتى أمور صغيرة لا تخطر على بال أحد وقد تكون اليوم من البدهيات فقد كان إدريس عليه السلام يعلمها للناس حتى يستطيعوا العيش ولولا ما تعلموه منه لأصبحوا كالحيوانات
([2])
- جامع الأحاديث (22/ 458، بترقيم الشاملة آليا) " ولد نوح ثلاثة فسام أبو العرب وحام أبو الحبشة ويافث أبو الروم (الطبرانى عن عمران بن حصين وسمرة معا) "أخرجه الطبرانى (18/145، رقم 309) . قال الهيثمى (1/193) : رجاله موثقون
- جامع الأحاديث (22/ 458، بترقيم الشاملة آليا) " ولد نوح ثلاثة سام وحام ويافث (أحمد، والطبرانى، والحاكم عن سمرة) "أخرجه أحمد (5/10، رقم 20126) ، والطبرانى (7/210، رقم 6873) ، والحاكم (2/595، رقم 4006) وقال: صحيح الإسناد
([3]) وهذا يزيد من احتمالية أن يكون إلياس عليه السلام ذا الكفل وقد أشرت في بحث ( الكفل ) أن إلياس عليه السلام قد يكون ذا الكفل عليه السلام