نظرية الصفائح التكتونية
لقد ظل توزُّع اليابس والماء، على سطح الأرض، إلى جانب الظواهر التضاريسية الكبرى، من المرتبة الثانية ـ لغزاً، يحير العلماء، حتى أوائل القرن العشرين. وقد تعددت الاجتهادات والتخمينات، منذ النهضة العلمية الحديثة والتي ظهرت على شكل فرضيات، تشرح توزُّع اليابس والماء، وكيفية تكوّن السلاسل الجبلية. وربما كانت أقوى هذه النظريات، وأكثرها إثارةً للجدل، في الوقت نفسه، نظرية العالم الألماني، فجنر Wegener، المعروفة بنظرية "زحزحة القارات" Continental Drift Theory، التي قال بها عام 1922.
ثم جاءت نظرية تيارات الحرارة الصاعدة في وشاح الأرض Mantle thermal Convection Currents، للعالم الإنجليزي، هولمز، والتي قال بها عام 1928، لتضيف محاولة جديدة إلى المحاولات العلمية المتتالية، لتفسير بعض حقائق طبيعة قشرة الأرض وظواهرها. فضلاً عما أضافته أعمال استكشاف قيعان المحيطات، وبخاصة المحيط الأطلسي، والتي بدأت في الأربعينيات من القرن العشرين. فقد اكتشفت سلسلة المرتفات المغمورة الممتدة في وسط قاع المحيط الأطلسي بين الشمال والجنوب، بموازاة ساحليه، الشرقي والغربي؛ وقد أطلق عليها "حيد منتصف الأطلسي" Mid-Atlantic Ridge. ثم وجد أن في منتصف هذا الحيد أخدود، ممتد، على طول امتداده. ولم يأت عام 1960 إلا وفكرة الصفائح التكتونية، قد اكتمل هيكلها، ورسخت في الفكر العلمي؛ وبنيت، على أساسها، نظرية تكتونية الصفائح Plate Tectonics. وشكلت هذه النظرية، منذ الستينيات من القرن الماضي، ثورة في الفكر العلمي لعلماء الأرض. وكانت تهذب، وتعاد صياغتها، وتؤكَّد مع تقدم أساليب الرصد والقياس. وتقدم النظرية، اليوم، أساساً لفهم أفضل لشكل سطح الأرض ومظاهره التضاريسية الكبرى. وهي تقول، إن الطبقة الخارجية من الأرض، مقسمة إلى عدد من الصفائح Plates، يتجاوز اثنتي عشرة صفيحة، منها الكبيرة، ومنها الصغيرة. هذه الصفائح تتحرك، نسبة إلى بعضها، وهي تطفو فوق طبقة من الصهير الصخري، عالي الحرارة.
وللوصول إلى فهم أفضل لهذه النظرية، لا بد من إعطاء نبذة تاريخية من تطور الفكر البشري، في تفسير ظواهر سطح الأرض؛ وأخرى إلى تركيب الكرة الأرضية؛ ثم النظر في تفاصيل نظرية تكتونية الصفائح، وتفاسيرها لتلك الظواهر.