يشمل تأثير التكنولوجيا في الثقافة معظم عناصرها وركائزها، فالتأثير غير محدود ويتعدى حدود المؤسسات والموارد الثقافية، كما يتعدى المثقف كعامل توجيه مستقل، الى علاقته بالمجتمع والعادات والتراث والتقاليد الإجتماعية.
فالقرن العشرين، الذي نعيش في أواخره من القرون التي حدث فيها تطور تكنولوجي هائل في مختلف الميادين والمجالات. نلاحظه في الصواريخ العابرة للقارات، وغزو الفضاء، والوصول الى القمر، والفيديو، والكمبيوتر، وأبرز ما نشاهده في عالمنا اليوم "ثورة الإتصالات" التي ساهمت في جعل هذه الكرة الأرضية "قرية مصغرة" انتفحت أبواب بيوتها على بعضها البعض.
لم تستثمر بعض المجتمعات هذا التطور، وهذه الثورة التكنولوجية، وبعضها أساء استخدامها، فبرزت مجموعة من المشاكل التي مست صميم بنية تلك المجتمعات.
إن احدى القضايا المهمة التي تعاني منها بعض المجتمعات المعاصرة: اقبال الجمهور على التلفزيون وامتناعه عن قراءة الصحف والكتب. ولأن هذا الموضوع شأن يمسّ الحالة الثقافية والفكرية للمجتمع، فالمطلوب أن يشارك المثقفون والنخبة في معالجته، ووضع الحلول العملية له. وتتمثل الآثار السلبية في غلبة التلفزيون على الكتاب والصحيفة في التالي:
اولاً: الجهل الثقافي، فالتلفزيون لا يقوم بتغطية البرامج الثقافية والفكرية والأحداث بشكل مفصل وعميق، فعادة ما يتطرق الى القضايا بصورة مختصرة ومقتضبة، لأن التركيز المعمّق في مثل هذا الموضوع يبدو عند المهتمين أو بعضهم، غير داخل في مهمة التلفزيون.
ثانياً: التأثير على الفرد عبر البرامج المنوعة، وشد تفكيره، وبالتالي إبعاده عن القراءة، وإشعاره بشيء من الإكتفاء المخادع.
ثالثاً: ان الكثير من المشاهدين يقضون ساعات طويلة أمام الشاشة الصغيرة بدون اكتراث للوقت، أو التفكير في الإستفادة منه في مسائل غير المتعة.
رابعاً: التأثير على شخصية الفرد، فعبر البرامج والأفلام المتنوعة، يتأثر الكثير من الأفراد سلبياً وينعكس هذا التأثير على شخصيتهم وسلوكهم.
اما الصحافة فإنها تعتبر أعرق وسائل الإعلام والإتصال، ولاتزال تؤدي دوراً مهماً كبيراً لم يستطع التلفزيون وغيره القيام بما تؤديه من وظائف، والتي يمكن رصدها في التالي:
1 ـ الوظيفة المعرفية ـ التثقيفية، فهي تعتبر عموداً أساسياً في بناء المجتمع وتعريفه بالنشاط الإنساني والتفاعل معه، وذلك عبر رصد الصحافة لكل جديد من المشاريع الثقافية والأدبية والإنسانية ونقل تجارب الآخرين عبر الحوار والنقاش البناء.
2 ـ الوظيفة الإجتماعية التوجيهية، وتتمثل في الجهود الرامية الى تحسين أداء العمل، وتوزيع المسؤوليات، ومكافحة الظواهر السلبية الضارة المنتشرة، ومحاولة تقديم حلول لها.
3 ـ الوظيفة السياسية، حيث تقوم الصحافة بدور كبير في عملية التثقيف السياسي، ومع أن بعض القنوات التلفزيونية تخصصت في تقديم المادة السياسية والخبرية المباشرة بالصوت والصورة، فإنّ قيمة المادة المكتوبة على الورق أكثر ترسخاً في الذاكرة وأشمل في كثير من المجالات.
4 ـ الوظيفة الدعائية والإعلانية، حيث يشترك التلفزيون والصحافة معاً في تأدية هذا الدور، مع فارق الكلفة.
5 ـ الوظيفة الترويحية، وفي هذا المجال يسبق التلفزيون الصحافة، ولهذا استطاع جذب كثرة كاثرة من الجمهور اليه. في الماضي كان الكتاب خير رفيق، اما اليوم فالقلة هي التي تشعر بذلك، بعد أن تفوق التلفزيون في العرض بالصوت والصورة.
تبقى مشكلة هجران الصحيفة والكتاب أمراً خطيراً، وفي بعض بلدان العالم حافظ الكتاب على موقعه، ولكن أغلب دول العالم الثالث تعرضت الى آثار سلبية بسبب سيطرة التلفزيون على وسائل التوجيه.