عقل
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
العقل هو مصطلح يستعمل، عادة، لوصف الوظائف العليا للدماغ البشري.خاصة تلك الوظائف التي يكون فيها الإنسان واعيا بشكل شخصي مثل : الشخصية، التفكير، الجدل، الذاكرة، الذكاء، وحتى الانفعال العاطفي يعدها البعض ضمن وظائف العقل.
و رغم وجود فصائل حيوانية أخرى تمتلك بعض القابيات العقلية، إلا أن مصطلح العقل عادة يقصد به المتعلق بالبشر فقط. كما أنه يستعمل أحيانا لوصف قوى خارقه، غير بشرية، أو ما وراء طبيعية.
نظريات العقل [عدل]
النظريات التي تبحث في العقل، ما هو وكيف يعمل، تعود تاريخيا إلى عهد أفلاطون وأرسطو وغيرهما من الفلاسفة الإغريق. النظريات ما قبل العلمية وجدت جذورها في اللاهوت والفكر الديني عموما. وركزت على العلاقة بين العقل، والروح (أو الجوهر الإلهي المفترض للذات الإنسانية). أما النظريات العلمية الحديثة فهي تعتبر العقل ظاهرة تتعلق بعلم النفس. وغالبا ما يستخدم هذا المصطلح بترادف مع مصطلح الوعي. السؤال عن أي جزء أو اي صفة من الإنسان يساهم في تكوين العقل لا يزال محل خلاف. هناك البعض يرى ان الوظائف العليا فقط (التفكير والذاكرة بشكل خاص) وحدها هي التي تكون العقل. بينما الوظائف الأخرى مثل الحب والكره والفرح تكون "بدائية" و" شخصية" وبالتالي لا تكون العقل.بينما يرفض آخرون هذا الطرح، ويرون ان الجوانب العقلانية والعاطفية من الشخصية الإنسانية لا يمكن فصلها بسهولة.و انها يجب أن تؤخذ كوحدة واحدة. في الاستعمال الشعبي الشائع، العقل، يخلط عادة مع التفكير.و عادة ما يكون " عقلك" حوارا داخليا مع نفسك...
تاريخ فلسفة العقل [عدل]
من أهم مساندي الرؤية الجوهرية كان جورج بيركلي في القرن الثامن العشر الميلادي، الذي كان فيلسوفا واسقفا انجليكانيا، ادعى بيركلي انه لا يوجد شيء اسمه مادة على الإطلاق.و ما يراه البشر ويعتبرونه عالمهم المادي لا يعدو ان يكون مجرد فكرة في عقل الله.و هكذا فأن العقل البشري لا يعدو ان يكون بيانا للروح. قلة من فلاسفة اليوم يمتلكون هذه الرؤية المتطرفة، لكن فكرة ان العقل الإنساني، هو جوهر، وهو أكثر علوا ورقيا من مجرد وظائف دماغية، لا تزال مقبولة بشكل واسع.
آراء بيركلي هوجمت، وفي نظر الكثيرين نسفت تماما، من قبل توماس هنري هكسلي، وهو عالم أحياء وتلميذ لداروين، عاش في القرن التاسع عشر الميلادي. وافق هكسلي أن ظاهرة العقل مميزة في طبيعتها، ولكنه أصر على أنها لا يمكن أن تفهم إلا على ضوء علاقتها بالدماغ. سار هكسلي وراء تقليد في الفكر المادي البريطاني يعود إلى توماس هوبز، الذي جادل في القرن السابع عشر، إن الفعاليات العقلية كلها محض فيزيائية في حقيقتها، رغم أن المعلومات الإحيائية – التشريحية في عصره، لم يكن لها أن تدعم مقولته، أو توضح ما هو الأساس الفيزيائي لهذه الفعاليات العقلية. هكسلي جمع بين هوبز وداروين ليقدم رؤية حديثة (بمقاييس عصره) للرؤية الوظيفية أو المادية.
آراء هكسلي دعمت بالتقدم المستمر للمعارف الإحيائية عن وظائف الدماغ. مذهب هكسلي العقلاني هذا ،جوبه لاحقا، في أوئل القرن العشرين من قبل سيغموند فرويد، الذي طور نظرية العقل اللاواعي، والذي ذهب إلى أن العمليات العقلية التي يؤديها الأفراد بوعيهم تشكل جزءا بسيطا جداً من الفعالية العقلية التي تؤديها أدمغتهم. كانت الفرويدية، بمعنى ما، أحياء للمذهب الجوهري للعقل، ولو تغطي بغطاء علمي.
فرويد لم ينكر، بأي حال من الأحوال، أن العقل، كان وظيفة دماغية، لكنه كان يرى أن العقل، كعقل، كان يملك عقلا خاصا به، لسنا واعين به، ولا يمكن التحكم به، كما لا يمكن الدخول إليه إلا عن طريق التحليل النفسي (خاصة، حسب فرويد، عبر تحليل الأحلام). رغم أن نظرية فرويد في العقل اللاواعي مستحيلة على البرهنة تجريبيا، الا انها قبلت بشكل واسع، واثرت بشكل كبير على الفهم الشعبي الرائج للعقل. لاحقا وفي عام 1979، اعتبر العقل، من قبل دوغلاس هوفستداتر، كظاهرة إحيائية وسيبيرنيطيقية، تبزغ من الشبكة العصبية للدماغ. نشوء مفهوم الذكاء الاصطناعي، اثر كثيرا على مفهوم العقل والجدل حوله, فلو كان العقل فعلا منفصل عن الدماغ، أو أعلى منه ،لما استطاعت اي آلة مهما بلغ تعقيدها، ان تشكل عقلا. وعلى الجانب الاخر، لو كان العقل مجرد تراكم وظائف دماغية، لصار من الممكن ولو نظريا، تكوين آلة مع عقل. الدراسات الحديثة التي تبحث في مفهوم العقل، تربط بين دراسة الشبكات العصبية، وعلم النفس، علم الأحياء الخلوي والجزيئي، علم الاجتماع، تاريخ العلم، والألسنية.
العقل. العقل في اللغة : مصدر عقل يعقل، وأصل مادته الحبس والمنع، وسمي عقل الإنسان عقلاً لأنه يعقله أي : يحجزه عن الوقوع في الهلكة، ولذا سمي أيضاً حجراً، لأنه يحجره عن ارتكاب الخطأ، وسمي كذلك : نهية، لأنه ينهى صاحبه عن فعل ما لا يحمد. وقال بعضهم : أنه مشتق من المعقل، وهو الملجأ، فكأن الإنسان يلجأ إليه في أحواله. ويطلق العقل في الاصطلاح على معان منها : 1- الغريزة المدركة التي ميز الله بها الإنسان عن سائر الحيوانات، وهذه التي يسقط بفقدها التكليف الشرعي. 2- المعارف الفطرية، والعلوم الضرورية التي يشترك فيها جميع العقلاء، كالعلم بأن الكل أكبر من الجزء، وأن الحادث لا بد له من محدث ونحو ذلك من العلوم الأولية الضرورية. 3- ويطلق كذلك على : إدراك المعارف النظرية، وما يستفاد من التجارب الحسية، ومنه جرى إطلاق العلم على العقل، ويسمى فاقد هذا جاهلاً وأحمقاً وهو يختلف عن المعنى الأولى من جهة أنه لا يسقط التكليف. 4- ويطلق أيضاً على العمل بمقتضى العلم، ويدل عليه نفي الكفار للعقل عن دخولهم نار الجحيم كما قال سبحانه : (وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير)، ويسمى العقل بهذا الإطلاق : معرفة وبصيرة. قال ابن القيم : العقل عقلان : عقل غريزي طبعي، هو أبو العلم ومربيه ومثمره وعقل كسبي مستفاد، وهو ولد العلم وثمرته ونتيجته، فإذا اجتمعا في العبد استقام أمره، واقبلت عليه جيوش السعادة من كل جانب، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وإذا فقدهما، فالحيوان البهيم أحسن حالاً منه، وإذا فقد أحدهما أو انتقص، انتقص صاحبه بقدر ذلك مفتاح دار السعادة 1/117. منزلة العقل. العقل شرط في معرفة العلوم، وفي الأعمال وصلاحها، وبه يكمل الدين والعمل، ولكنه لا يمكن أن يستقل بذلك، حيث أنه غريزة في النفس وقوة فيها مثل قوة البصر، وحين يتصل به نور الإيمان والقرآن كان كنور العين حين يلاقي ضوء الشمس، فإن انفرد لم يستطع إدراك ما يعجز عنه لوحده. والمذهب الحق في الموقف من العقل هو الوسطية بين من جعله ن أصول العلم والوحي تابع له، وبين من يذمون العقل ويرون أن الأحوال والمقامات والمواجيد لا تكون إلا مع غيابه. وأخطأ من ظن أن دلالة الكتاب والسنة قاصرة على الأخبار المجردة من الأدلة العقلية، وأنها موقوفة على العلم بصدق المخبر، وما يبنى على صدقه من المعقولات المحضة. فإن الله قد مد واثنى على ذوي العقول والألباب، تلك العقول التي تتدبر في خلق الله، وتجول في بديع صنعه تتلمس آثار قدرة الخالق عز وجل كما قال تعالى : (إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار). وقد وردت مادة العقل في كتاب الله تسعا وخمسين مرة، هذا بالإضافة إلى مرادفاته مثل : الألباب والحجر والأحلام، وهكذا أفعاله كالتفكر، والتذكر، والتدبر، والنظر، والاعتبار والفقه، والعلم..... الخ ولا أدل على اهتمام الإسلام به من جعله مناطاً للتكليف، حتى عد فاقده كالبهيمة لا تكليف عليه ولا اعتبار لتصرفاته. وهو أيضاً أحد الضروريات الخمس التي أمر الشرع بحفظها ورعايتها، والتي يبنى عليها صلاح الدين والدنيا. قال ابن تيمية : عدم العقل والتمييز لا يحمد لحال من جهة نفسه، فليس في كتاب الله ولا سنة رسوله مدح وحمد لعدم العقل والتمييز والعلم، بل قد مدح الله العمل والعقل والفقه ونحو ذلك في غير موضع، وذم عدم ذلك في مواضع. الاستقامة 2/157. ولذا فإن في الكتاب والسنة لمن تأملهما من الأدلة العقلية ما تقصر عنه عقول كثير من ارباب الفلاسفة والكلام. قال ابن تيمية : إن ما عند النظار من أهل الكلام والفلسفة من الدلائل العقلية على المطالب الإلهية، فقد جاء في القرآن الكريم بما فيها من الحق، وما هو أبلغ وأكمل منها على أحسن وجه، مع تنزهه عن الأغاليط الكثيرة الموجودة عند هؤلاء، فإن خطأهم فيها كثير جدا ً، ولعل ضلالهم أكثر من هداهم، وجهلهم أكثر من علمهم. الفتاوى 9/225. وقال : قد تدبرت عامة ما يذكر المتفلسفة والمتكلمة، والدلائل العقلية فوجدت دلائل الكتاب والسنة تأتي بخلاصته الصافية عن الكدر، وتأتي بأشياء لم يهتدوا إليها، وتحذف ما وقع منهم من الشبهات والأباطيل مع كثرتها واضطرابها. الفتاوى 19/232. ولصحة النظر العقلي ثلاثة شروط كما نبه عليها أبو إسحاق الشيرازي : الأول : أن يكون الناظر كامل الأدلة، بأن يعرف كيفية ترتيب الأدلة بعضها على بعض. الثاني : أن يكون النظر في دليل لا في شبهة، ومن هاهنا أخطأ من لم يوفق لإصابة الدليل حيث كان نظره في شبهة. الثالث : أن يستوفي الدليل بشروطه، فيقدم ما يجب تقديمه ويؤخر ما يجب تأخيره، ويعتبر ما يجب اعتباره، لأنه متى لم يستوف الدليل بشروطه، بل تعلق بطرف الدليل، أخطأ الحكم ولم يصل إلى المقصود. ومن هنا ندرك ما للعقل من مكانة كبيرة كمصدر ثر للمعرفة، وما يرد من ذم لأصحاب العقول أحياناً فهو باعتبار نقصها واختلالها، فالذم في الحقيقة واقع على نقص العقل لا العقل ذاته. ومن عناية الإسلام بالعقل تحريمه لكل ما من شأنه أن يضعفه أو يزيله كشرب الخمر وما في حكمه، أو يحول بينه وبين النظر في الأدلة كالتقليد الأعمى، واتباع الهوى، والتعصب لغير الحق، وهكذا ابطاله للأوهام التي يتمسك بها الدهماء من الخرافات كالتشاؤم والشعوذة والكهانة ونحوها. تسليم العقل للشرع بعث الله محمداً بالهدى ودين الحق، وجعله خاتم الأنبياء، وإمام المرسلين، وقد أغلق الله جميع الطرق إلا الطريق الموصل إليه من جهة النبي كما قال سبحانه : (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون) والنبي هو الذي يهدي لهذا الصراط المستقيم كما قال سبحانه : (إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وداعيا إلى الله بإذنه) وقال عز وجل : (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض). فلا يعبد الله إلا بما شرع النبي كما سبحانه : (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً). وقد أكمل الله به دينه فلم يحوج أمته إلى رأي غيره كما قال تعالى : (اليوم اكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا). ولذا ذم الله من لم يكتف بالوحي المبين فقال : (أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون). ولو كان الدين ناقصاً ما حكم الله له بالكمال، وشهد للرسول للبلاغ كما قال سبحانه : (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل أليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس). وقد أشهد النبي ربه بتبليغ الدين في أفضل يوم كما جاء في حجة الوداع أنه قال : هل بلغت ؟ قالوا : نعم قال : اللهم اشهد. رواه البخاري 2/191، ومسلم 3/1307. قال ابن القيم : وبالجملة فقد جاءهم بخير الدنيا والآخرة برمته، ولم يحوجهم الله إلى أحد سواه، فكيف يظن أن شريعته الكاملة التي ما طرق العالم شريعة اكمل منها ناقصة تحتاج إلى سياسة خارجة عنها تكملها، أو إلى قياس أو حقيقة أو معقول خارج عنها، ومن ظن ذلك فهو كمن ظن أن بالناس حاجة إلى رسول آخر بعده. اعلام الموقعين 4/276. ويتضح موقع العقل من الأدلة الشرعية، ومصادر المعرفة حين ندرك ان العلوم من حيث إدراك العقل لها ثلاثة أقسام : الأول : العلوم الضرورية الفطرية : وهي التي لا يمكن التشكيك فيها. الثاني : العلوم النظرية المكتسبة بالنظر والاستدلال وهي نوعان : أ : ما تمحض العقل فيه نظراً واستدلالاً كعلوم الطبيعة والطب والصناعات... الخ. ب : ما اشترك فيه مع أدلة الشرع. الثالث : المعارف والعلوم الغيبية، وهذه لا يعلمها العقل إلا بواسطة، وحظه منها الفهم وإثبات أمكانها، ونفي امتناعها. ينظر : الاعتصام للشاطبي 2/318. .