زراعة الأعضاء
عدلراقب هذه الصفحة

قزماس ودميان يزرعان بأعجوبة القدم (السوداء) لأحد الإثيوبيين في الجسم (الأبيض) للشماس جستنيان. مدينة ديتزينجين، القرن السادس عشر
زراعة الأعضاء هي عبارة عن نقل عضو من جسم إلى آخر، أو نقل جزء من جسد المريض إلى الجزء المصاب في الجسد نفسه، بهدف استبدال العضو التالف أو الغائب تمامًا في جسد المتلقي. ويسمح مجال طب التجديد الناشئ للعلماء ومتخصصي الهندسة الوراثية بمحاولة إعادة تكوين أعضاء من الخلايا الخاصة بالمريض نفسه (الخلايا الجذعية، أو الخلايا المستخرجة من الأعضاء المصابة بقصور.) ويُطلق على الأعضاء و/أو الأنسجة التي تُزرع داخل جسم الشخص نفسه مسمى الطعم الذاتي. وتُسمى عمليات زراعة الأعضاء التي تُجرى بين كائنين من الجنس نفسه عمليات الطعم المغاير. ويمكن إجراء عمليات الطعم المغاير إما من مصدر حي أو من أشخاص متوفين دماغيًا.
وتتمثل الأعضاء التي يمكن زراعتها في القلب والكلى والكبد والرئتين والبنكرياس والأمعاء والغدة الزعترية. وتشمل الأنسجة كلاً من العظام والأوتار (وكلاهما يُشار إليه بعمليات ترقيع العضلات والعظام) والقرنية والجلد وصمامات القلب والأوردة. تعد زراعة الكلى هي أكثر عمليات زراعة الأعضاء شيوعًا على مستوى العالم، بينما تفوقها عمليات زراعة العضلات والعظام عددًا بأكثر من عشرة أضعاف.
وقد يكون المتبرعون بالأعضاء أحياء أو متوفين دماغيًا. ويمكن الحصول على أنسجة المتبرعين المتوفين بأزمات قلبية وذلك في غضون 24 ساعة من توقف ضربات القلب. على عكس الأعضاء، يمكن حفظ معظم الأنسجة (باستثناء القرنية) وتخزينها لفترة تصل إلى 5 سنوات، وهذا يعني أنها يمكن أن تُخزن في "بنوك". يثير موضوع زراعة الأعضاء العديد من القضايا الأخلاقية الحيوية، بما في ذلك تعريف الوفاة، وتوقيت وكيفية التصريح بزراعة أحد الأعضاء، إضافة إلى فكرة دفع مقابل مالي للأعضاء المزروعة.[1][2] ومن أمثلة القضايا الأخلاقية الأخرى موضوع السياحة القائمة على عمليات زراعة الأعضاء، وتشمل القضايا الأخلاقية الأوسع نطاقًا السياق الاجتماعي-الاقتصادي الذي ستُجرى في إطاره عمليات نقل أو زراعة الأعضاء. وهناك مشكلة محددة وهي تجارة الأعضاء.[3]
في الولايات المتحدة، تقوم إدارة الأغذية والأدوية الأمريكية (FDA) بتنظيم عمليات زراعة الأنسجة، حيث تضع لوائح صارمة لتأمين هذه العمليات، وهي تهدف في المقام الأول إلى الوقاية من انتشار الأمراض المعدية. وتشمل اللوائح المعايير اللازمة لفحص واختبار المتبرع، فضلاً عن اللوائح الصارمة الخاصة بتجهيز وتوزيع طعوم الأنسجة. غير أن إدارة الأغذية والأدوية الأمريكية لا تنظم عمليات زراعة الأعضاء.
يعد طب زراعة الأعضاء واحدًا من أكثر مجالات الطب الحديث صعوبةً وتعقيدًا. وتتمثل بعض أبرز جوانب الإدارة الطبية لعمليات زراعة الأعضاء في مشكلات رفض الجسم للعضو المزروع، وفيها يكون لدى الجسم استجابة مناعية مضادة للعضو المزروع، مما قد يؤدي إلى فشل عملية زراعته في الجسم، ومن ثم ضرورة إزالة العضو المزروع من جسد المتلقي على الفور. وفي هذا الشأن، يجب تخفيض عدد حالات الرفض قدر الإمكان وذلك من خلال الاختبارات المتعلقة بمقاومة الأمصال لتحديد المتلقي الأمثل لكل متبرع، بالإضافة إلى استخدام أدوية مثبطة للمناعة.[4]
هذا وتعاني معظم الدول من عجز في عدد الأعضاء المتوفرة التي يمكن استخدامها في عمليات زراعة الأعضاء. غالبًا ما تتمتع الدول بوجود هيئات رسمية تتمثل مهمتها في إدارة عملية تحديد الشروط الواجب توافرها في المتبرعين، إلى جانب ترتيب أولوية المتلقين للأعضاء المتوفرة.
تاريخ زراعة الأعضاءعدل
داعبت فكرة نقل الأعضاء خيال البشر منذ فترة طويلة نسبيًا؛ ونجحت تلك الفكرة في ظل توفر مهارات جراحية ظهرت قبل فترة طويلة من إدراك مفهوم معدلات البقاء على قيد الحياة بعد الجراحة. وكانت المشكلات الرئيسية وثيقة الصلة بهذا الموضوع، وما زالت، وربما ستظل هي فكرة رفض الجسم للعضو المزروع، فضلاً عن الآثار الجانبية لمحاولة تفادي هذا الرفض (وخاصة مشكلتي العدوى واعتلال الكلى).
جدير بالذكر أن هناك عدة تقارير مشكوك في صحتها تشير إلى عمليات زراعة أعضاء أجريت قبل عصر الإنجازات والتطورات العلمية اللازمة لإجراء مثل هذه العمليات على أرض الواقع. وتشير هذه التقارير إلى أن الطبيب الصيني بيان شياو قد أجرى عملية تبادل قلبين بين رجل يتمتع بشخصية قوية ولكنه ضعيف الإرادة ورجل ذي شخصية ضعيفة ولكنه قوى الشكيمة، وذلك في محاولة منه لتحقيق التوازن عند كل رجل. وتشير روايات عن الروم الكاثوليك تعود إلى القرن الثالث الميلادي إلى قيام القسيسين دميان وقزماس الذين عاشا في القرن الثالث الميلادي باستبدال قدم الشماس الروماني جستنيان المصابة بالغرغرينا بقدم إثيوبي متوفى حديثًا. ويظهر القساوسة في معظم الروايات وهم يجرون عمليات زراعة الأعضاء في القرن الرابع، بعد عقود من وفاتهم؛ ويظهرون في مشاهد أخرى وهم يلقون بالتعليمات فقط للجراحين الأحياء الذين يقومون بالمهمة.
تتعلق الكتابات الأكثر قابلية للتصديق وثيقة الصلة بعمليات زراعة الأعضاء التي أجريت في عصور مبكرة بعمليات زراعة الجلد. وتشير أقرب الكتابات إلى المنطق إلى الجراح الهندي سوشروتا الذي عاش في القرن الثاني قبل الميلاد، والذي أجرى عملية زراعة جلد باستخدام الطعم الذاتي في جراحة لتجميل الأنف. غير أنه لم يُوثق نجاح أو فشل هذه العمليات. وبعد مضي عدة قرون، أجرى الجراح الإيطالي جاسبارو تاجلياكوزي عمليات ناجحة لزراعة الجلد بطريقة الترقيع الذاتي؛ وقد فشل في الوقت نفسه في عمليات الطعم المغاير، مما يعد أول حالة في التاريخ لرفض الجسم للعضو المزروع قبل قرون من إدراك حقيقة هذا الأمر. وأرجع ذلك إلى "القوة والسلطة الفردية"، وذكر ذلك في عام 1596 في كتابه De Curtorum Chirurgia per Insitionem.
وقد أجريت أول عملية ناجحة لزراعة قرنية في عام 1837 في نموذج لغزال؛ بينما أجرى إدوارد زيرم أول عملية ناجحة لزراعة قرنية عين لإنسان، والتي يُطلق عليها عملية ترقيع القرنية، في مدينة أولوموك في جمهورية التشيك في عام 1905. وكان لكل من الجراح الفرنسي أليكسيس كاريل وتشارلز جوثري الريادة في ابتكار التقنية الجراحية لزراعة الأعضاء من خلال عمليات زراعة الشرايين أو الأوردة وذلك في بدايات القرن العشرين. أدت عمليات توصيل الأوعية الدموية الناجحة، إلى جانب تقنيات الخياطة الجراحية الحديثة، إلى تمهيد الطريق لجراحات زراعة الأعضاء التي أجريت لاحقًا وأسهم ذلك في حصول كاريل في عام 1912 على جائزة نوبل في الفسيولوجيا أو الطب. وبدءًا من عام 1902، شرع كاريل في إجراء عمليات تجريبية لزراعة الأعضاء على الكلاب. ومع نجاحه في عمليات نقل الكلى والقلب والطحال جراحيًا، كان كاريل من أوائل من تنبهوا إلى مشكلة رفض الجسم للعضو المزروع، والتي لا تزال مستعصية على الحل منذ عقود.
شهدت فترة الحرب العالمية الأولى خطوات بارزة في مجال عمليات زراعة الجلد، ولا سيما في العمليات التي أجراها النيوزيلاندي السير هارولد جيليز في بلدة إلدرشوت التابعة لبريطانيا العظمى. ومن بين إنجازات هذا الرجل الطعم المركب المعنق، الذي يبقي على اتصال الأنسجة بالجزء الذي يُشتق منه الطعم إلى أن يتخذ الطعم مجرى تدفق الدم الخاص به. واستكمل مساعد جيليز، أرشيبالد ماكندو، العمل في الحرب العالمية الثانية من خلال الجراحات التقويمية. وفي عام 1962، أجريت أول عملية جراحية ناجحة لإعادة زراعة- إعادة توصيل أحد الأطراف التالفة واستعادة عمل مراكز الإحساس والوظائف الحيوية (بصورة محدودة).
وفي أوائل يوليو من عام 1926، أجريت عملية نقل غدة تناسلية (خصية) من متبرع حي في مدينة زاجيكار الواقعة في صربيا، من قبل أحد الجراحين الروس المهاجرين وهو الدكتور بيتر فاسيليفيتش كولسنيكوف. كان المتبرع مدانًا بجريمة قتل، وهو إليا كاراجان، وتم تخفيف الحكم إلى السجن لمدة 20 عامًا وإيهامه بأن تخفيف الحكم تم لأنه تبرع بخصيته إلى أحد الأطباء المسنين. وكانت نتيجة العملية الجراحية أن ظل كل من المتبرع والمتلقي على قيد الحياة، ولكن وُجهت اتهامات في إحدى المحاكم من قبل النيابة العامة للدكتور كولسنيكوف، ليس لإجرائه العملية، ولكن لقيامه بالكذب على المتبرع. (v. Timočki medicinski glasnik، Vol.29 (2004)
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط], p. 115-117 ISSN 0350-2899 article in Serbian)
وقد أجريت أول محاولة لزراعة أعضاء من أحد المتبرعين المتوفين على يد الجراح الأوكراني يو يو فورونوي في ثلاثينيات القرن العشرين، ولكن رفض جسد المتلقي للعضو المنقول أدى إلى فشل العملية برمتها. وتجدر الإشارة هنا إلى أن أول عملية ناجحة لزراعة عضو قد أجراها كل من الجراحين جوزيف موراي وجي هارتويل هاريسون الحاصل على درجة الدكتوراة في الطب، والتي تم فيها إجراء عملية زراعة كلى بين توأمين متماثلين، في عام 1954، ويرجع نجاح هذه العملية إلى عدم الحاجة إلى تثبيط المناعة في حالات التوائم المتطابقة وراثيا.
وفي أواخر العقد الخامس من القرن العشرين، قام بيتر ميداور، الذي كان يعمل في المعهد الوطني للبحوث الطبية، بتعديل مفهوم رفض الجسم للعضو المزروع. استنادًا إلى مفهوم التعرف على ردود الفعل المناعية في عام 1951، اقترح ميداور إمكانية استخدام الأدوية المثبطة للمناعة. وقد اكتُشف الكورتيزون مؤخرًا، في حين تم التعرف على الأزاثيوبرين الأكثر فاعليةً في عام 1959، ولكن السيكلوسبورين الذي اكتشف في عام 1970، كان أكثر مثبطات المناعة المستخدمة في عمليات زراعة الأعضاء كفاءةً.
إن نجاح الدكتور موراي في عمليات زراعة الكلى قد مهد الطريق لإجراء محاولات لزراعة أعضاء أخرى. وكانت هناك محاولة ناجحة لزراعة رئة من أحد المتبرعين المتوفين إلى أحد المصابين بمرض سرطان الرئة في يونيو 1963 من قبل الجراح جيمس هاردي في مدينة جاكسون بولاية ميسيسيبي الأمريكية. وقد ظل المريض على قيد الحياة لثمانية عشر يومًا قبل أن يموت بسبب الفشل الكلوي. وفي العام نفسه، حاول توماس ستارزل إجراء عملية زراعة كبد، ولكن تلك المحاولات باءت بالفشل وذلك حتى عام 1967.
كانت زراعة القلب هي التحدي الحقيقي لجراحي زراعة الأعضاء. لكن، كما هي الحال مع المسائل المتعلقة برفض الجسم للعضو المزروع، تتدهور حالة القلب في غضون دقائق من الوفاة، لذلك يجب إجراء أية عملية بأقصى سرعة. كذلك، كانت هناك حاجة ماسة إلى تطوير جهاز القلب والرئة. قام جيمس هاردي، رائد جراحات الرئة، بمحاولة زراعة قلب لإنسان في عام 1964، ولكن الفشل المبكر الذي أصاب قلب المتلقي لم يمهل هاردي الفرصة للعثور على متبرع بشري، ولذلك استخدم قلب شمبانزي، ولكنه فشل بشكل سريع للغاية. غير أنه قد أجريت أولى المحاولات الناجحة في 3 ديسمبر 1967 بواسطة كريستيان برنارد في مدينة كيب تاون، الواقعة في جنوب أفريقيا. إذ كانت نتيجتها أن صمد المتلقي، لويس واشكانسكي، لمدة ثمانية عشر يومًا في ظل ما اعتبره كثيرون بمثابة سيرك إعلامي بغيض. ودفع اهتمام وسائل الإعلام إلى إجراء سلسلة من عمليات زراعة القلب. وأجريت أكثر من مائة عملية في الفترة من 1968-1969، ولكن غالبية المرضى توفوا في غضون ستين يومًا. ولكن الحالة الثانية لبرنارد عاشت لمدة 19 شهرًا، وكان مريضًا يُدعى فيليب بليبرج.
وكان ظهور السيكلوسبورين بمثابة ثورة نقلت زراعة الأعضاء من مصاف الجراحات البحثية إلى أساليب العلاج التي تؤدي إلى إنقاذ حياة البشر. وفي عام 1968، أجرى رائد جراحات زراعة الأعضاء دنتون كولي 17 عملية زراعة أعضاء بما في ذلك أول عملية من نوعها لزراعة قلب ورئة معًا. وقد أسفرت هذه العمليات عن وفاة أربعة عشر من مرضاه في غضون ستة أشهر من إجراء العملية. وبحلول عام 1984، كان ثلثا من يجرون عمليات زراعة قلب يعيشون لمدة خمس سنوات فأكثر. ومع انتشار عمليات زراعة الأعضاء، على الرغم من ندرة المتبرعين، انتقل الجراحون إلى مجالات أكثر خطورة، ألا وهي زراعة عدة أعضاء في الجسم البشري، والقيام بأبحاث حول إمكانية إجراء جراحات زراعة المخ في الحيوانات. في 9 مارس 1981، أجريت أول عملية ناجحة لزراعة قلب ورئة معًا في مستشفى جامعة ستانفورد. وقد أرجع رئيس الفريق الجراحي بروس ريتز تعافي المريض إلى استخدام دواء السيكلوسبورين-أ.
وفي ظل الانتشار المتزايد لعمليات زراعة الأعضاء بسبب ارتفاع معدلات نجاحها، فضلاً عن الأساليب الحديثة المتبعة لتثبيط المناعة، فقد باتت هناك حاجة ماسة لتوفير المزيد من الأعضاء. كما ساعد على انتشار تلك العمليات بدرجة أكبر التطورات التي طرأت على عمليات زراعة الأعضاء المعتمدة على نقل أعضاء من المتبرعين الأحياء. إضافة إلى ذلك، تُجرى حاليًا أبحاث مكثفة في مجال زراعة الأعضاء باستخدام الطعوم الأجنبية (xenotransplantation) أو في مجال الأعضاء المعدَّلة وراثيًا؛ وعلى الرغم من أن هذه الأنواع من زراعات الأعضاء لم تُطبق إلى الآن على البشر، إلا أن المحاولات الإكلينيكية التي تتضمن استخدام أنواع محددة من الخلايا أسفرت عن نتائج واعدة، مثل استخدام جزر لانجرهانز المستخرجة من الخنزير لعلاج مرض السكري من النوع الأول. ومع ذلك، لا تزال هناك مشاكل كثيرة تتطلب حلولاً قبل أن تكون خيارات محتملة للمرضى الذين يحتاجون إلى عمليات زراعة أعضاء.
ومؤخرًا، كان الباحثون يتطلعون إلى الوسائل التي من شأنها حل المشكلات الناجمة عن تثبيط المناعة بشكل عام. وتشمل الوسائل الشائعة تجنب المنشطات وتقليل التعرض لمثبطات الكالسينيورين، وغيرها من وسائل إيقاف تناول الأدوية اعتمادًا على نتائج الحالة ووظائف الأعضاء. وفي حين تبدو النتائج واعدة على المدى القصير، إلا أن النتائج طويلة الأجل لا تزال غير واضحة المعالم، وبصفة عامة، يؤدي التقليل من معدلات تثبيط المناعة إلى زيادة احتمالية رفض الجسم للعضو المزروع، إضافة إلى تراجع احتمال حدوث إصابة بعدوى.
وهناك العديد من الأدوية الجديدة الأخرى قيد التطوير لتخصيصها لعمليات زراعة الأعضاء.[5]
يتطلع مجال طب التجديد الناشئ إلى حل مشكلة رفض الجسم للعضو المزروع من خلال إعادة تكوين الأعضاء في المعمل، وذلك باستخدام الخلايا الخاصة بالمرضى (الخلايا الجذعية، أو الخلايا السليمة المستخرجة من جسد المتبرع.)