عتقد معظم العلماء بأن الانفجار العظيم هو الذي أسفر عن تشكيل الكون بصورته الحالية، وذلك بإحداث تصادم لمئات الملايين من جزيئات المادة من خلال نظام تسريع الجزيئات، وفي وقتنا الحالي يسعى العلماء الى ابتكار آلة جديدة تستطيع إحداث انفجارات ضخمة تحاكي الانفجار العظيم الذي يعتقد أنه كان السبب لبداية الكون.
فيما ظل العلماء لعقود عديدة، حائرين أمام حقيقة لا مفر منها، وهي أن المادة والمادة المضادة تحطّم كل منهما الأخرى عند اصطدامهما، وهو ما جعلهم يتساءلون عن كيفية بزوغ الحياة، أو الكون أو أي شيء آخر، لكن النتائج الجديدة المستمدة من التجارب التي أجراها علماء الفيزياء، تفترض أن المادة تنتصر في نهاية المطاف، وقد أثبتت التجارب أن هناك فرقا صغيرا وإن كان قدره واحد في المائة بين المادة والمادة المضادة الناتجة، وهو ما يعد مؤشر على الكيفية التي بزغ من خلالها وجودنا الذي تسوده المادة. في حين يعتقد بعض العلماء ان معظم الكواكب دخلت إلى عمق الشمس منذ 4 مليارات عام، ومن جهة أخرى يتفق علماء الفلك على أن الطاقة المعتمة او المادة السوداء هي سر وجود الكون وتشكل معظم مادته، ولم تقترب أبحاثهم ومشاهداتهم وعمليات الرصد الفضائي منها إلا في العقدين الاخيرين، إنها المادة السوداء او المظلمة او الطاقة المعتمة التي ظل يلفها الغموض لآلاف السنين، ويبقى هناك عدة اسرار كونية لم تكتشف بعد، مثل كيفية خلق المادة عند بدء الكون، وغيرها من الإسرار الأخرى، فيما يتطلع الباحثون الجدد الى أن تمكنهم أجيال التلسكوبات الحديثة من تحقيق اختراقات علمية خلال العقدين الجاري والمقبل.
اكشاف أسرار الكون
وفي هذا الصدد تمكن العلماء من ايجاد أعلى درجات حرارة على الاطلاق في المعمل وتبلغ أربعة تريليونات درجة مئوية في اطار سعيهم لاكتشاف اسرار نشأة الكون، واستخدم العلماء جهازا عملاقا لتحطيم الذرة في مختبر بروكهافن الوطني التابع لوزارة الطاقة الامريكية في نيويورك لاحداث تصادم بين أيونات الذهب لعمل انفجارات شديدة الحرارة لم تدم سوى لاجزاء من الثانية، لكن ذلك يكفي لاعطاء علماء الفيزياء مادة خصبة لسنوات من البحث يأملون ان يساعدهم في فهم لماذا وكيف تشكل الكون، وقال ستيفن فيجدور من مختبر بروكهافن في مؤتمر صحفي اثناء اجتماع الجمعية الفيزيائية الامريكية في واشنطن هذه الحرارة كافية لاذابة البروتونات والنيوترونات، وتشكل هذه الجسيمات الذرات لكنها نفسها تتكون من مكونات أصغر حجما يطلق عليها الكواركات والغلوونات، ويبحث علماء الفيزياء عن اختلافات متناهية الصغر يمكنها تفسير لماذا تجمعت المادة من السحاب الكثيف البدائي الساخن، ويأمل العلماء ايضا باستخدام نتائجهم في المزيد من التطبيقات العملية مثل مجال دوران الالكترونيات الذي يهدف الى جعل اجهزة الكمبيوتر اصغر واسرع واقوى، واستخدم العلماء مصادم الايونات الثقيلة نسبيا وهو معجل للجسيمات ومصادم في أبتون بنيويورك لصطدم أيونات الذهب مليارات المرات، وقال فيجدور صمم المصادم لجعل المادة تصل لدرجات الحرارة التي كانت في بداية الكون، وتبلغ الحرارة في مركز الشمس 50 مليون درجة وينصهر الحديد عند 1800 درجة ويبلغ متوسط درجات الحرارة في الكون الان 0.7 درجة فوق الصفر المطلق. بحسب رويترز.
وفي وقت لاحق هذا العام يأمل العلماء باستخدام مصادم الهدرونات الكبير في سويسرا تحطيم ايونات الرصاص بصدمها معا للتوصل الى درجات حرارة أعلى تماثل لحظات ربما تكون أسبق في نشأة الكون.
المادة السوداء سـرّ وجود الكون
في سياق متصل يتفق علماء الفلك على أنها سر وجود الكون وتشكل معظم مادته، ولم تقترب أبحاثهم ومشاهداتهم وعمليات الرصد الفضائي منها إلا في العقدين الاخيرين، إنها المادة السوداء او المظلمة او الطاقة المعتمة التي ظلت يلفها الغموض لآلاف السنين، والتي يقول العلماء إنها سميت بهذا الاسم ليس لأنها بعيدة او غير مرئية، بل لأنها غير معروفة بشكل تام حتى الآن من حيث الخصائص الفيزيائية. ومنذ اختراع التلسكوب قبل أربعة قرون أصبح الفلكيون قادرين على اكتشاف المزيد من أسرار الكون ومجراته ووظائفها، وما يطرأ عليها من تحولات من خلال عمليات الاندماج او الانفجارات، بواسطة مراقبة السماء وتطبيق بعض معادلات الفيزياء والرياضيات، ويقول الباحثون إن الكون، الذي اصبحنا نعرفه بشكل أفضل، مكون من مجموعة كبيرة من المواد لا تزيد على 5٪ فقط بينما تتمثل المادة المجهولة المعتمة النسبة الساحقة المتبقية والتي كان العلماء في السابق يعتقدون لوقت طويل أنها المادة التي كونت كل شيء من الانسان وحتى الكواكب والنجوم في مجرتنا، وفي 125 مليار مجرة أخرى تم اكتشافها حتى الآن، وعلى قاعدة كلما ازدادت مراقبتنا ازدادت معرفتنا قال باحثون اميركيون انهم تمكنوا من تحديد اشارتين يمكن ان تدلا على وجود جزيئات المادة المظلمة غير ان دراستهم التي نشرت في مجلة ساينس تشير الى ان الاحتمالية الاحصائية لتحديد المادة المظلمة هي بنسبة 23٪، حيث قالت الدكتورة جودي كولي من جامعة ساوثرن ميثوديست في مدينة دالاس التي قادت فريق البحث الذي قام بالدراسة انها حالة بالغة الصعوبة ولكننا تمكنا من تحديد اشارتين وواجهنا تذبذباً إحصائياً في تفسيراتنا، ما حال دون الجزم بدليل مؤكد على المادة المعتمة، وتواصلت دراسات معمقة منذ عام 2003 في مختبر في منيسوتا لتحديد الجزيئات الافتراضية الضخمة ضعيفة التفاعل، وهي الجسيمات التي لا تصدر الضوء أو أي إشعاع كهرومغناطيسي، حيث طور العلماء أخيرا تجارب اكثر دقة وحساسية في هذا المجال منها تجربة البحث الكريوجيني، باستخدام درجات برودة عالية عن المادة السوداء، وهي نتاج جهود مشتركة بين عدد من الجامعات والمعاهد العلمية الاميركية، ويصف العلماء المادة المظلمة بأنها تشبه دعامات الجاذبية التي تسببت في تجمع المادة الطبيعية في المجرات التي نراها اليوم، ويعتقدون أن المواد العادية المكونة للنجوم والكواكب مثل الغاز والذرات الغبارية تشكل اقل من 5٪ من الكون، أما بقية الكون فهو غير مرئي، ومعظمه الطاقة السوداء، ويذهب فريق من الباحثين الى أن المادة السوداء مكونة من جزيئات بحجم أصغر من الذرة، من تلك الجسيمات الافتراضية الثقيلة الضعيفة التفاعل، بينما يرى فريق آخر أن المادة المعتمة تتألف من المادة العادية، وأن الكون بكامله مؤلف تقريباً من المادة العادية، وأنه طبقاً لأكثر النظريات شيوعا فإن الانفجار العظيم أنتج فائضا صغيرا من المادة المعتمة على المادة العادية. كما تأمل كولي أن تسهم التجربة التي طورها العلماء في اطار الدراسة في تسريع عملية البحث عن دليل على المادة المظلمة، وتقول انها لحظة مثيرة للغاية جدا في هذا المجال.
كما ظهرت نظريات تفسر طبيعة هذه المادة، قالت انها تتشكل من كتل متراصة وجزيئات أولية وتظهر على الشاشة في الأجهزة التلسكوبية الحديثة كأنها سحابة رقيقة داكنة ترصع القبة السماوية، محدثة ومضات ذات طاقة هائلة، وفي السبعينات بدأ الفلكيون ملاحظة أمر لم يبد متلائماً مع قوانين الفيزياء هو ان المجرات اللولبية مثل مجرتنا كانت تدور حول نفسها بمعدل يجب أن يجعلها منذ القدم تتذبذب خارجة عن السيطرة وتتمزق طولياً، وتطرح النجوم في كل اتجاه وكانت المجرات تعيش بسرعة ولكن لا تفنى وهي فتية، مما قاد الباحثين الى التساؤل عما إذا كانت هالة أي شيء افتراضي تمثل غطاء لكل مجرة.
وفي أواخر الثمانينات حاول فريق من الفلكيين العثور على إجابة واضحة ومقنعة لسؤال حول ما اذا كان هناك في الكون اكثر مما نراه وكم هي هذه الزيادة، وسعوا فعليا الى محاولة تسوية قضية كانت تزعج الفلكيين منذ اكتشف العالم الفلكي ادوين هابل في 1929 أن الكون يبدو أوسع مما نعتقد، واعتقدوا ان الجاذبية ستبطئ من توسعه لكن تساؤلات عدة مازالت قائمة حول سرعة تباطؤ الكون ومدى توسعه.
وفي عام 1997 قام فريقان فلكيان أحدهما أميركي والآخر دولي بتجميع بيانات من أكثر من 50 نجماً شديدة السطوع، حيث لاحظ أعضاؤهما أن بعض هذه النجوم لم يكن أكثر سطوعا مما كان متوقعاً بل اكثر عتمة، ما دفع بعضهم الى التساؤل عما اذا كانت قد وقعت أخطاء في عمليات الرصد وجمع البيانات، وفي العام التالي أعلن الفريقان توصلهما الى الاستنتاج نفسه وهو ان معدل توسع الكون ليس بطيئاً وانما بدأ يتسارع وهو ما يناقض توقعات بعض العلماء، واستناداً الى العلماء، فالصفة المميزة للمادة السوداء أنها لا تقع فقط خارج مدى الرؤية ولكن،أيضاً ما وراء الطيف الالكترومغناطيسي الكلي ولا تستطيع حواسنا كشفها الا بشكل غير مباشر، لأن حركات المجرات لا تحدث إحساساً ما لم نستدل على وجود المادة السوداء التي قال بعضهم في السبعينات عنها إنهم كانوا يتوقعون اكتشافها تماماً والتعرف إلى خصائصها وتوضيح كل غموض فيها خلال مدة لا تزيد على عقد.
المصدر : مملكة العلوم : [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]