القوة النووية الضعيفة هي واحدة من القوى الأساسية الأربعة في كوننا إلى جانب قوى الجاذبية والكهرومغناطيسية والقوة النووية الشديدة . بالرغم من أن دور القوة الضعيفة يقتصر فقط في المستوى دون الذري إلا أننا نلمس تأثيرها في حياتنا اليومية .حيث أنها تلعب دوراً رئيسياً في التفاعلات النووية التي تحدث في الشمس ومسؤولة أيضا عن الاشعاع الطبيعي الموجود في عالمنا والناتج عن عمليات التفكك الاشعاعي.
صمم فريق مكون من 97 باحث من 23 معهد وجامعة في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأوروبا ، في منشأة مسرع توماس جيفرسون الوطني (مخبر جيفرسون) وعلى مدى عقد من الزمن تجرية لقياس القوة الضعيفة. فقدموا للعالم أول قياس مباشر لشحنة البروتون الضعيفة والتي نرمز لها Q وتعبر عن مدى تأثير القوة الضعيفة على البروتون -أي هي مقياس لقوة تفاعل البروتون مع القوة الضعيفة- وبما أن النموذج المعياري (نظرية تصف الجسيمات الأولية وتفاصيل كيفية تفاعلها وقد ثبت نجاحها حتى الأن في توافقها مع التجارب) تنبأ بشحنة البروتون الضعيفة فقياس هذه الشحنة تجريبيا ومقارنتها بالقيمة النظرية معيار مثالي للتحقق أكثر من صحة النموذج المعياري.
التجربة كانت كالتالي: باستخدام مسرع الجسيمات في مختبر جيفرسون تم توجيه شعاع من الالكترونات ذو شدة عالية نحو صندوق من الألومنيوم يحوي هيدروجيناً سائلاً أي بشكل أساسي يحوي الصندوق بروتونات. تمتلك الجسيمات الأولية خاصة ذاتية تدعى spin أو اللف الذاتي يمكن على أساسها تفسير تفعالات الجسيمات مع بعضها أو مع حقل مغناطيسي خارجي. صمم فريق البحث حزمة الالكترونات بحيث يكون لجميع سبينات الالكترونات نفس الجهة إما بجهة الحركة أو عكسها. ونقول عن الحزمة في هذه الحالة أنها "مستقطبة". تتبعثر هذه الألكترونات عن البروتونات تبعثراً مرناً ( في التصادمات المرنة كتصادم كرتي بلياردو تبقى الاجسام المتصادمة قبل وبعد التصادم نفسها دون تغيير وكذلك الأمر في التبعثر المرن ) تبرز الالكترونات المتبعثرة بزوايا صغيرة وتوجه بواسطة مغانط كهربائية ضخمة الى ثماني كواشف متوضعة بشكل متناظر . ان القوة الضعيفة أضعف من القوة الكهرطيسية وبالتابي مقابل كل مليون إلكترون يتفاعل مع البروتونات عبر القوة الكهرطيسية فقط إلكترون واحد يتفاعل معه عبر القوة الضعيفة. قاس الفيزيائيون هذه التفاعلات الضعيفة القليلة باستغلال فارق هام بين هاتين القوتين وهو ما يدعوه الفيزيائيون للتبسيط تناظر المرآة.
لتوضيح هذا التناظر لنفترض أنك تقف مواجه المرآة وتمسك بيدك كرة. عندم تترك الكرة ستسقط على الأرض وسترى الموضوع نفسه في المرآة أي أن قوة الجاذبية تؤثر بنفس الطريقة حتى عندما تسبب المرآة عكس جهتي اليمين واليسار وبالتالي نقول قوة الجاذبية تحقق تناظر المرآة. كذلك القوى الكهرومغناطيسية والنووية الشديدة تحقق هذا التناظر إلا القوة النووية الضعيفة فهناك تمييز مابين اليمين واليسار وكأن الطبيعة تستطيع التفريق بين الجهتين عندما يتعلق الأمر بالقوة الضعيفة. وبالعودة إلى التجربة فستتفاعل الالكترونات بغض النظر عن جهة سبيناتها مع البروتونات عن طريق القوة الكهرومغناطيسية بنفس الطريقة . أما القوة الضعيفة فتتفاعل الالكترونات ذات السبين اليميني مع البروتونات بشكل مختلف عن تفاعل الالكترونات ذات السبين اليساري مع البروتونات. أي بابقاء كل متغيرات التجربة على حالها وتغيير جهة استقطاب حزمة الالكترونات سيكون الفرق بين الحالتين في النتائج ناجماً فقط عن أثر القوة النووية الضعيفة مما يساعد على عزل هذه القياسات وحساب انحراف مسارات الالكترونات المتعلقة بها ومعرفة شدة قوة التفاعل بين الجسيمين.
تتوافق التحليلات الأولية للبيانات التجريبية التي أعطت قيمة لـQ مع تنبؤات النموذج المعياري ،و ستعتبر النتائج النهائية كاختبار عملي آخر وأكثر دقة للنموذج المعياري، مما يعطي قيوداً اوضح على بحث العلماء حول العالم وخاصة في مصادم الهادرونات الكبير في CERN عن الظواهر الفيزيائية التي يقع تفسيرها خارج النموذج المعياري. حيث يوضح روجر كارليني من مختبر جيفرسون أن النتائج النهائية ستركز على مضاعفات هذا الاكتشاف على الابحاث حول النظريات الجديدة في الفيزياء.