مفهوم المنهاج في الفلسفة البراجماتية :
بقلم السيد محمد علي القضاة
تسمى الفلسفة البراجماتية العملية ، التجريبية ، أو النفعية أو الزرائمية وتعود جذورها إلى الفلاسفة اليونان ، والذي وضع إطارها العام هو المربي الأمريكي جون ديوي الذي يعتقد أن التربية يجب أن تركز على الفرد كعضو مشارك فعال في مجتمعه وليس كعضو له اهتمامات متباينة مع أهداف مجتمعه .
( وتعتبر البراجماتية الخبرة الإنسانية و تبعاتها أساسا للوصول إلى الحقيقة ، فالحقيقة ليست عبارة عن الأفكار المجددة ، وهي ليست الأشياء التي يمكن الوصول إليها عن طريق الحواس ، وإنما هي محصلة التطبيق العملي لهذه الأفكار والأشياء ، فالنظريات صحيحة لأنها تعمل ) . ( الحياري ،1993م)
ومن مبادئها التربوية أن الفرد يتعلم من خلال العمل والتجربة وأن التربية من أجل تنمية الكفاءة الاجتماعية وتطويرها ، وتلبية حاجات الأفراد كل حسب قدراته ومواهبه الذاتية ، ويجب أن تنمي التربية عند الفرد النواحي الفكرية والحسية . ( الحياري .مصدر سابق . 1993م)
وأما عن مفهوم المنهاج عند الفلسفة البراجماتية فهو كالتالي :
( المنهج البراجماتي لا يهدف إلى حشو أذهان الأطفال بالمعلومات الكثيرة عن التراث الاجتماعي الثقافي ، كما في التربية المثالية ، بل يحاول التوفيق بين حاجات الأطفال وبين الخبرات التي تساعدهم على فهم مشكلات الحياة ، وارتباط المنهج البراجماتي بالحياة يقضي على عزلة المدرسة عن المجتمع ). ( نزال ، مرجع سابق ، 1995)
ويقول جون ديوي : ( أن منهج النشاط هو الطريق الأنسب لاكتساب المعرفة ، وتذهب إلى أن إدراك الأشياء يكون على أفضل وجه عند التعامل مع المشكلات في مواقعها والعمل على حلها ، وتؤكد على الخبرة وأن قيمة النشاطات هي بمقدار تحولها إلى خبرات تمكن الطالب من الابتكار ، وأن المواد الدراسية هي وسائل لمساعدة الطالب وتدريبه ، وأن الهدف من دراسة الكتب هي تعليم أساليب جديدة لمواجهة المشكلات المستجدة .
وقد وضعت البراجماتية التربية المهنية والعلوم الطبيعية في المقام الأول ، بينما وضعت الدراسات الإنسانية واللغات في المقام الثاني ، وأعطت أهمية خاصة لعلم الاجتماع وعلم النفس في المنهج الدراسي لأنها تساعد الطالب على معرفة الإنسان وتفهمه ) . ( فرحان ، مرجع سابق ، 1989م)
والتربية البراجماتية لاتهتم بالتراث الثقافي والاجتماعي في الماضي وإنما بالحاضر والمستقبل ، فالمنهج يعكس واقع الحياة الاجتماعية ويجب أن يهيئ الفرصة لممارسة الديمقراطية وأن يتمركز حول نشاطات واهتمامات وميول الطفل وتنمية مهاراته وإبداعه .
( ولا يؤمن البراجماتيون بوجود أهداف ثابتة للمنهج ، وهذا الإيمان بعدم وجود أهداف ثابتة للمنهج يجعل الحياة الإنسانية كلها – بجانبها القيمي والعملي – على حافة التغير ، لا يستقر لها قرار ، ولا يمكن تصور مستقبل مأمون لها .
ومن أهم أهداف المنهج تعليم الطالب كيف يفكر ؟ لا بماذا يفكر ؟ فالمدرسة تجد في اكتساب التلاميذ المهارات الواقعية والعملية التي يحتاجونها لكي يكونوا مواطنين وأفرادا ناشطين مكتشفين عاملين ، ولهذا فالبراجماتية تؤكد على الخبرة الكاملة والنمو الشامل المتكامل للطالب هما الموضوع الرئيسي للتربية ) ( Brameled ,op .p.198 )
فالبراجماتية في الولايات المتحدة تقدم :
1.برامج ودراسات تربوية تهتهم بإعداد الطلاب للحرف والأعمال البديلة .
2.برامج تركز على الاهتمامات المدرسية والأكاديمية .
3.برامج تقدم على أسس متطلبات العمالة .
4.برامج تقدم على أساس متطلبات البيت والبيئة .
5.برامج تقدم على أساس متطلبات البيئة الريفية والقروية .
والهدف من كل هذه البرامج والدراسات هو إيجاد بدائل تربوية قائمة على أساس متطلبات العمالة بجميع أنواعها في المجتمع للتلاميذ من سن 13 – 18 ، بالإضافة إلى البديل الأكاديمي .
وتتضح مدى استجابة المنهج للضغوط والمتطلبات الاجتماعية المختلفة من زيادة الملحقين بالبرامج المهنية وزيادة عدد المدارس الثانوية العالية التي تقدم دراسات مهنية وعملية في برامجها . ( مدكور ، مرجع سابق ، 1997 م)
فالمنهج في البراجماتية يتكون في العموم من وحدات دراسية عملية تختص الواحدة منها بخبرات ذات طبيعة مترابطة أو متجانسة ، والأهداف ترمي لإنتاج أفراد عمليين واقعين في شخصياتهم وسلوكهم ، ومعارف هذا المنهج عبارة عن خبرات أو تجارب أو مواقف يعايشها أفراد التلاميذ ويدركون من خلالها ماهية وحقائق الأشياء ، بمعنى أن معارف المنهج الأكاديمية قد لا تكون مكتوبة بصيغ مباشرة كما هو الحال مع مناهج المعرفة الدراسية ، بل غير مباشرة يستنتجها التلاميذ عادة من قيامهم أو معايشتهم للخبرة المطلوبة ، وخبرات وأنشطة التعلم هي حقيقة أو شبه حقيقة ، تقوم على حل المشكلات والمشاريع والمشاهدات والتطبيقات الميدانية أو المحاكية ( شبه الميدانية الواقعية )والتدريبات السلوكية المباشرة ، وتقييم التعلم يتم عمليا في الطالب من خلال معايير كيفية أي كيف يفكر الطالب ، كيف يقوم بالخبرة ). ( حمدان ، مصدر سابق ، 1988م)
" والبراجماتية في تصورها عند وضع المنهج يجب مراعاة الأسس التالية :
1- أن يحتوي المنهج التربوي على المعرفة التي يتم التأكد منها من حقيقتها عن طريق التجربة.
2- تشجيع التلاميذ على تقبل القوانين الطبيعية والتعميمات العملية .
3- أن يحتوي المنهاج على المعلومات والخبرات التي لها علاقة مباشرة بحياة الإنسان الحاضرة فقط
4- إشراك الطلبة في عملية تصميم البرامج التربوية ونشاطاته المتعددة .
5- مراعاة الفروق الفردية بين المتعلمين .
6- مراعاة قدرات المتعلمين وميولهم ومواهبهم .
7- مرونة المنهاج وإشراك الطلبة في تخطيطه وتعديله . " ( الحياري ، 1993) .
ومن هذا البيان يتبن للباحث بأن الفلسفة البراجماتية فلسفة أدائية بمعنى أن الغاية تبرر الوسيلة ، فهي بذلك تركز على المناهج العملية أو التي فيها نشاطات وخبرات عملية تكسب الطالب المعرفة وتطلعه على الحقيقة وتمني مواهبه وتلبي رغباته وميوله وحاجاته ، ومن أجل ذلك كان للطالب والمعلم والأسرة الدور الكبير في عملية صنع وتصميم المناهج واختيار كل وفق إمكاناته واستعداداته وحاجاته والمشاركة في عملية تطوير هذه المناهج وتعديلها وتقويمها ، وتعمل كذلك المناهج في البراجماتية على تربية الطلبة على الضبط والمراقبة الذاتية المسؤولة ، فلا تعترف المناهج بالعقاب والطرق التي تعتمد على السيطرة التامة والخضوع فهي مرفوضة في ضوء المدرسة البراجماتية .
المراجع :
1- حمدان ، محمد زياد (1988م) ، المنهج المعاصر ومصادره وعمليات بنائه ، دار التربية الحديثة ، عمان – الأردن .
2- الحياري ، حسن أحمد (1993م) . التربية في ضوء المدارس الفكرية ، دار الأمل – اربد – الأردن .
3- فرحان ، محمد جلون (1989م ) ، ودراسات في فلسفة التربية ، جامعة الموصل – الموصل –العراق .
4- مدكور ، علي أحمد (1997م) ، نظريات المناهج التربوية ، دار الفكر العربي – القاهرة –مصر .
5- Brameld , T , ( 1955) philosophy of education in cultural prespective , New York , Holt , Rinehart and winston , Inc.
الإثنين أكتوبر 31, 2011 12:19 am