ما هو "الاحتكاك" في اللّغة اليوميّة وفي اللّغة الفيزيائيّة؟
إنّ الاحتكاك هو مفهوم ذو معانٍ معيّنة في الحياة اليوميّة ومعانٍ أخرى في الفيزياء. هذه المعاني ليست متطابقة. في الحياة اليوميّة قد نقول، مثلا، إنّ شخصًا ما "حكّ ظهره" - أي أنّه فرك ظهره بظفره، لكنّنا قد نقول، أيضًا، إنّ شخصًا ما "يحكّ رأسه" أو إنّه "يحتكّ بأشخاص مُهمّين"... في الفيزياء، الاحتكاك هو قوّة تساعدنا على وصف وتفسير التّفاعل (بالاتّجاه الموازي) بين أسطح متلاصقة يتحرّك أحدها نسبة إلى الآخر، أو "تحاول" أن تتحرّك، أي أنّ شيئًا ما يدفعها أو يجذبها.ما هو التّفسير المجهري (microscopic) لظاهرة "الاحتكاك"؟
إنّ الاحتكاك هو ظاهرة عيانيّة (macroscopic) تعكس قوى الارتباط بين الجزيئات الموجودة في سطحين متلاصقين. تؤدّي هذه القوى إلى صعوبة في تحريك أحد هذين السّطحين المتلاصقين بالنّسبة إلى الآخر، وعند الحركة، فإنّ انفصال هذه الجزيئات بعضها عن بعض يؤدّي إلى تحرّكها وإلى رفع درجة حرارة الجسمين.
في الماضي، كان الاعتقاد بأنّ الاحتكاك نابع عن كون السّطحين خشنين، وكأنّ هناك "أسنان منشار" تعيق حركة أحد الجسمين بالنّسبة للآخر. لكن هذا النّموذج لا يفسّر سبب احترار السّطحين المحتكّين. إنّ النّموذج المقبول أكثر اليوم هو نموذج "الالتصاق". أي، الادّعاء أنّ قوّة الاحتكاك نابعة من "قوى بين الجزيئات" التي تعمل بين جزيئات أحد السّطحين وبين جزيئات السّطح الآخر. إنّها عمليًّا قوى تماسك (cohesion) وقوى التصاق (adhesion).
للاحتكاك تبعات تكنولوجيّة عديدة. يُدعى مجال العلوم الذي يختصّ في بحث قوى الاحتكاك، والبلى(التآكل)والتزليق "تريبولوجيا" (Tribology).أيّ الظّواهر والتّفاعلات نراها في قوّة الاحتكاك؟
يفسّر الاحتكاك ويصف العديد من الظّواهر والتّفاعلات في العالم من حولنا. إنّ الاحتكاك موجود، عادة، بين كلّ جسمين متلاصقين (أي كلّ جسمين توجد بينهما قوّة عموديّة، قوّة N). يستطيع الاحتكاك تفسير ظواهر مثل: الاحترار الذي ينتج عند فرك اليدين، اشتعال عود ثقاب عند فركه بأحد جانبي علبة الكبريت، دفع الأجسام على الأرض أو على الشّارع، السّير في الشّارع أو على الأرض، سفر المركبات الآليّة في الشّارع، العزف على الآلات الوترية، التّزلّج على الجليد وغيرها. إذا فهمنا طابع الاحتكاك، ففي إمكاننا الإجابة عن أسئلة مثل: لماذا يكون هناك خطر الانزلاق على شارع رطب أكبر مقارنة بخطر الانزلاق على شارع جاف؟ لماذا يستطيع عود يتم تثبيته جيّدًا من الجهتين بحائطين أن يحمل ستار حوض الاغتسال، أو حتّى وزن شخص ما إذا تدلّى عنه؟ لماذا لا نستطيع فتح غطاء مرطبان إذا كانت اليدان رطبتين؟ لماذا تتلف دواليب السّيارة؟ لماذا يتمّ تزليق محاور الأبواب؟ لماذا تسخُن المحرّكات الكهربائيّة؟ وغيرها من الأسئلة.متى اكتشفت البشريّة قوّة الاحتكاك؟
تعرّفت البشريّة على الظواهر المتعلّقة بالاحتكاك منذ عصر ما قبل التّاريخ، عندما كان النّاس يستخدمون الاحتكاك لإشعال النّار. كما كان المصريّون القدامى يعرفون ظواهر تتعلّق بالاحتكاك. هناك جداريّات مصريّة تظهر كيف يتمّ تزليق المسار الذي تُسحب الحجارة الكبيرة والتّماثيل على امتداده، كما وُجدت آثار زيوت على مسارات العربات المصريّة. لكن من المهمّ أن نشدّد على أنّه في ظلّ غياب الوعي المتبلور بمفهوم "القوّة"، فإنّ مصطلح "قوّة الاحتكاك" لم يصبح دارجًا إلا في فترة متأخّرة.
في العصور الحديثة، أجرى ليوناردو دي فينتشي تجارب علميّة أولى تتعلّق بالاحتكاك. عام 1699 نصّ الفيزيائي الفرنسي غِيّوم أمونتون (Guillaume Amontons) قوانين الاحتكاك السّاكن، والتي أضاف إليها شارل-أوغوستان دي كولون (Charles-Augustin de Coulomb) قانون الاحتكاك الحركي عام 1785. لم يكن هذان العالمان الرّائدان يدركان المبنى المجهري للمادّة، لكنّ التّفسير الذي قدّماه لظاهرة الاحتكاك كان مبنيًّا على فكرة "أسنان المنشار". مع ذلك، بقيت القوانين التي وضعاها قيد الاستخدام في العديد من الحالات (لكن ليس في جميعها) حتّى يومنا هذا.
هل يساعد الاحتكاك على حركة الأجسام أم يعيقها؟
"تعاني" قوّة الاحتكاك من علاقات عامّة رديئة، والصّورة التي تخطر في البال عادة هي أن القوّة تعيق الحركة. على سبيل المثال: في مقال نشر في مجلّة "غاليليو"، عام 1994، حول مادّة مزلقة حديثة، جاء في البداية: "إنّ الاحتكاك هو العامل الأوّل الذي ينقص من نجاعة أيّ ماكنة كانت". هذه الحقيقة صحيحة، لكنّ هذه الصّورة غير كاملة. توجد بالفعل ظواهر نحاول فيها تقليص قوّة الاحتكاك قدر الإمكان، لكن في المقابل - هناك ظواهر يكون فيها الاحتكاك أمرًا مصيريًّا لحصولها. عمليًّا، لولا الاحتكاك لما كنّا استطعنا العيش - ففي عالم كهذا، على سبيل المثال، لما كان في الإمكان استخدام عود الثّقاب أو الولاعة، ولما كان في الإمكان تعليق الرّفوف على الجدران ولما كان في الإمكان السّير أو السّفر بالسّيارة (كما سنرى لاحقًا).
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
من الصّعب التقدّم من دون الاحتكاك...
أيّ أنواع من الاحتكاك معرّفة في الفيزياء؟
نميّز في الفيزياء بين نوعين من الاحتكاك: الاحتكاك الحركي والاحتكاك الساكن.
الاحتكاك الحركي- هو احتكاك يحصل بين سطحين يتحرّك أحدهما نسبة للآخر - بعمليّة انزلاق أو تزلّج (مثل شخص يجرّ رجليه على الأرض خلال السّير، أو الاحتكاك بين اليدين عند فركهما). قيمة الاحتكاك الحركي بين سطحين معيّنين هي ثابتة وغير متعلّقة (بتقريب جيّد) بسرعة الحركة النّسبيّة للجسمين. يؤدّي الاحتكاك الحركي إلى تحويل طاقة حركيّة إلى طاقة داخليّة وإلى تسخين الأجسام المتلامسة. ينبع ارتفاع درجة حرارة الأجسام من التّشويهات التي تطرأ على الأجسام خلال الحركة النّسبيّة بينهما والتي تتسبّب بها القوى الفاعلة بين الجزيئات الموجودة على السّطحين.
الاحتكاك السّاكن - هو احتكاك بين سطحين لا يتحرّك أحدهما نسبة للآخر رغم وجود قوى تدفعهما (أو تجذبهما) نسبة إلى بعضهما البعض بالاتّجاه المماس. على سبيل المثال، يعمل الاحتكاك السّاكن بين أرجل مقعد ما وبين الأرض عندما نقوم بدفع المقعد دون أن يتحرّك، أو بين شخص ما وبين الأرض عندما يشغّل الشّخص عضلاته لبدء حركة ما. إذا كان هناك مقعد يقف على الأرض، فإنّنا لا نقول أنّ هناك احتكاكًا ساكنًا بينه وبين الأرض. لكن عندما يحاول شخص ما دفع الكرسي أو جذبه - دون أن يؤدّي ذلك إلى تحرّك الكرسي - ففي إمكاننا أن ندّعي أنّ هناك قوّة ساكنة بينه وبين الأرض. الأمر ذاته يسري بالنّسبة للشخص الذي يكون على وشك البدء بالسّير. إذا كان الشّخص واقفًا على الأرض ليس إلا - لا توجد هناك قوّة احتكاك بينه وبين الأرض. لكن، في اللحظة التي يبدأ فيها بالسّير، فإنّنا ندّعي أنّ هناك احتكاكًا ساكنًا بينه وبين الأرض لأنّه يدفع قدمه إلى الخلف نسبة إلى الأرض دون أن يتسبّب ذلك بانزلاقه.نستطيع فهم الاحتكاك الحركي بسهولة بالغة. لكن، لماذا نقوم بافتراض وجود الاحتكاك السّاكن؟
إنّنا بحاجة إلى الاحتكاك السّاكن كي نستطيع أن نصف، مثلا، كيف لا يتحرّك المقعد من مكانه - رغم أنّنا نقوم بدفعه أو بجذبه. يدّعي قانون نيوتن الأوّل أنّه إذا كانت محصّلة القوى الفاعلة على جسم ما مساوية لـ 0 - فإنّ ذلك الجسم لا يغيّر من سرعته (بما معناه أنّ الجسم لا يتحرّك، أو أنّه يتحرّك بسرعة ثابتة لا تغيّر مقدارها أو اتّجاهها). نستطيع أن ننصّ ذلك بصورة عكسيّة أيضًا - إذا كان هناك جسم لا يغيّر سرعته، فهذا دليل على أنّ محصّلة القوى الفاعلة عليه هي 0. كيف نستطيع أن نصف القوى الفاعلة على مقعد يدفعه شخص ما دون أن يتحرّك؟ في الاتّجاه الرّأسي تعمل على الكرسي قوّة الجاذبيّة التي تشغّلها القوّة الأرضيّة، والتي توازنها القوّة العمودية التي تشغلها الأرض إلى أعلى، ولذا فإنّ الجسم لا يغيّر سرعته في ذلك الاتّجاه. في الاتّجاه الأفقي، يشغّل الشّخص قوّة على الكرسي (إذ إنّه يحاول تحريكه) ولأنّ الكرسي لا يتحرّك من مكانه، علينا أن ندّعي (بحسب قانون نيوتن الأوّل) أنّ الأرض تشغّل قوّة مكافئة بالاتّجاه المضاد. يُطلق على هذه القوّة اسم قوّة الاحتكاك السّاكن بين الأرض والكرسي.هل الاحتكاك في حالة شخص يسير على الأرض أو في حالة دواليب سيّارة مسافرة على الشّارع هو احتكاك ساكن أم حركي؟
لأوّل وهلة قد يبدو لنا أنّ هذا الاحتكاك حركيّ لأنّ الشّخص يتقدّم بالنّسبة للسّطح. لكن من المهم أن ننتبه إلى أنّ تعريف الاحتكاك الحركيّ هو الوضع الذي يتحرّك فيه السّطحان بشكل أفقي الواحد نسبة إلى الآخر - أي في حالة انزلاق أو تزلّج. عندما يسير شخص ما على الأرض أو عندما تسافر سيّارة على الشّارع، فإنّ السّطح الذي تشكله قدما الشّخص (أو دواليب السّيارة) لا ينزلق ولا يتزلّج بالاتّجاه المماس للسّطح الذي يسير السّطح عليه، لذا فإنّ هذا الاحتكاك يعرّف على أنّه ساكن. عندما يدور العجل، في كلّ مرة يلامس الشّارعَ جزءٌ آخر من العجل (للدّقة، خلال الحركة تطرأ على الشّارع وعلى الدّولاب تشويهات إثر وجود مركّب حركيّ في الاحتكاك، رغم كلّ شيء، أي أنّ السّطحين يتحرّكان قليلا الواحد بالنّسبة للآخر. وإلا لما ارتفعت درجة حرارة الدّواليب).هل يعمل الاحتكاك السّاكن والاحتكاك الحركي باتّجاه حركة الجسم المتحرّك، أم أنهما يعملان بالاتّجاه المضاد للحركة؟
جاء في بعض المصادر أنّ الاحتكاك يعمل دائمًا بالاتّجاه المضاد لحركة الأجسام. هذا غير دقيق: في إمكان كلّ من نوعي الاحتكاك، الحركي والسّاكن، أن يساعدا على الحركة (أي أن يعملا باتّجاه الحركة) أو أن يتصدّيا لها (أي أن يعملا باتّجاه مضاد للحركة). في جميع الأحوال، إنّ اتّجاه قوّة الاحتكاك يكون مضادًّا دائمًا للاتّجاه الذي يتحرّك السّطحان نحوه (أو الاتّجاه الذي "يحاول" السّطحان التّحرك نحوه).
أمثلة:
- احتكاك ساكن يعيق الحركة: عندما نحاول دفع مائدة لكنّها لا تتحرّك من مكانها.
- احتكاك ساكن يؤدّي إلى حركة: عندما نسير إلى الأمام، فإنّنا ندفع بأقدامنا إلى الوراء نسبة للأرض، لذا فإنّ الاحتكاك السّاكن يعمل بالاتّجاه المعاكس، أي إلى الأمام.
- احتكاك حركي يعيق الحركة: عند الضّغط على الكابح بقوّة في السّيارة فإنّ دواليبها تبقى في مكانها. الاحتكاك الحركي بين الدّواليب والأرض هو الذي يكبح السّيارة.
- احتكاك حركي يؤدّي إلى الحركة: عندما نجذب بسرعة كبيرة فوطة موجودة تحت وعاء ماء. يتحرّك الوعاء قليلا بفعل الاحتكاك بينه وبين الفوطة.
كيف يساعد سائل التّزييت (التشحيم) على تقليص الاحتكاك بين سطحين؟
بحسب النّموذج السّابق لتفسير قوى الاحتكاك - نموذج "أسنان المنشار" - كان الادّعاء هو أنّ استخدام سوائل التّزييت يقوم بملء الثّقوب وجعل السّطحين أملس. بموجب هذا النّموذج، يتمّ هكذا تقليص قوى الاحتكاك بين السّطحين (يقوم سائل التّزييت بتقليص تأثير "أسنان المنشار"). أمّا بحسب النّموذج المتّبع اليوم - نموذج "الالتصاق"، فإنّ سائل التّزييت يلتصق بكلا السّطحين ويفصلهما الواحد عن الآخر (حتّى إذا كان السّطحان أملسين)، بحيث تصبح عمليّة تحريك أحدهما بالنسبة للآخر تتطلّب التّغلب على القوى بين جزيئات السّائل نفسه (قوى التّماسك) والتي هي أصغر بكثير من القوى بين جزيئات مادّتين مختلفتين (قوى التصاق).هل لقوى الاحتكاك السّاكن والمتحرّك قيم ثابتة أم متغيّرة؟
عندما يقف جسم ما على المائدة دون أن ندفعه، فلا توجد قوّة احتكاك بينه وبين الأرض. عند دفع هذا الجسم دون أن يتحرّك، فإنّ قوّة الاحتكاك بينه وبين الأرض تكون مساوية لقوّة الدّفع. كلّما كانت قوّة الدّفع أكبر، كانت قوّة الاحتكاك السّاكن مساوية له، حتّى نصل إلى قيمة الاحتكاك القصوى التي يبدأ الجسم بعدها بالتّحرّك. في تلك اللّحظة يتحوّل الاحتكاك من احتكاك ساكن إلى احتكاك حركي. قوّة الاحتكاك الحركي لا تتعلّق، تقريبًا، بسرعة الانزلاق، وهي تبقى ذات قيمة ثابتة، تقريبًا.
كيف تنعكس قوّة الاحتكاك عند تحريك السّيّارة - مثال واحد (من أصل أمثلة كثيرة) عن مدى أهمّيّة الاحتكاك في تفسير الظّواهر اليوميّة:
عندما يشغّل سائق السّيارة المحرّك ويدوس على دوّاسة الوقود، فإنّ محرّك السّيارة يجعل المحور الذي ترتبط به الدّواليب يدور، ولذا تبدأ الدّواليب بالدّوران، أيضًا. إنّ قوّة الاحتكاك السّاكن (في حالة عدم انزلاق الدّواليب) بين الدّواليب وبين الشّارع تجعل السّيّارة تبدأ بالسّفر. هنا أيضًا، كما في حالة السّير، يدور العجل إلى الوراء، بالنّسبة إلى الشّارع، ولذا فإنّ الاحتكاك هو الذي يدفع السّيارة قدمًا.
إنّ محرّك السّيارة لا يحرّكها - إنّه المسؤول عن دوران الدّواليب. إنّ القوة التي تحرّك السّيارة هي الاحتكاك. إذا لم يكن هناك احتكاك بين دواليب السّيارة وبين الأرض لما استطاعت أقوى المحرّكات أن تحرّك أي سيّارة.
إذا أراد السّائق أن يكبح السّيارة فإنّه يدوس على الكابح. هذا يؤدي إلى توليد قوّة احتكاك حركي بين الكابح وبين الدّولاب ويؤدّي إلى تقليص سرعة الدّولاب، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى توقّف الدّولاب نهائيًّا. خلال كلّ هذه العمليّة، فإنّ الاحتكاك بين الدّولاب والشّارع ساكن بمعظمه لأنّ الدّولاب يكاد لا ينزلق.
أمّا إذا أراد السّائق أن يتوقّف لظرف طارئ ما، أي إذا داس على الكابح بشدّة دفعة واحدة، تتولّد عندها حالة يُطلق عليها اسم "إقفال الدّواليب": تتوقّف الدّواليب عن الدّوران دفعة واحدة. في مثل هذه الحالة، لا تستمرّ الدّواليب في الدّوران، ويصبح الاحتكاك بينها وبين الشّارع احتكاكًا حركيًّا (لأنّ الدّواليب تنزلق) يقلّص من سرعة السّيّارة. إنّ هذا الاحتكاك أصغر من الاحتكاك السّاكن، لذا فهو أقلّ نجاعة في تقليص سرعة السّيارة. لهذا السّبب يُنصَح السّائقون بالدّوس على الكابح ثمّ تحريره مرّة تلو الأخرى، خاصّة عندما يكون الشّارع رطبًا وأملس. عند تحرير الكابح، فإنّ الاحتكاك السّاكن (الأكبر من الاحتكاك الحركي) هو الذي يعمل، ولذا فإنّ احتمال أن تتوقّف السّيارة يكون أكبر.هل الاحتكاكك موجود فقط بين المواد الصّلبة؟
لا، أبدًا. الاحتكاك موجود في حالات المادّة الثّلاث. من المتّبع تسمية قوى الاحتكاك المتعلّقة بحركة الأجسام الصّلبة داخل وسط سائل أو غازيّ، أو قوى الاحتكاك التي تتعلّق بحركة أجسام سائلة أو غازيّة باسم "قوى سحب". لن نتطرّق في هذا المقال إلى هذه القوى لأنّه عند الحركة النّسبيّة بين سوائل وغازات مختلفة تتداخل جوانب أخرى عديدة (مثل: تكوّن الدّوامات)، وهي تتعدّى نطاق هذا المقال.كيف يتمّ قياس قيمة قوى الاحتكاك السّاكن والحركي؟
إنّ قيم قوى الاحتكاك تتعلّق، في معظم الحالات، بقيم القوّة المعامدة التي تعمل على السّطحين، كما تتعلّق بعوامل أخرى تنبع من خواص المواد المصنوعة منها الأسطح.
من خلال العديد من التّجارب، وُجد أنّ المعادلة الملائمة لحساب قيمة الاحتكاك السّاكن القصوى وقيمة الاحتكاك الحركي هي: F=µN، بحيث أنّ F= قوّة الاحتكاك؛ N= القوّة العموديّة؛ وµ= معامل الاحتكاك بين السّطحين. هناك معامل معيّن للاحتكاك السّاكن الأقصى ومعامل آخر لمعامل الاحتكاك الحركي (والذي يكون عادة أصغر قيمة من معامل الاحتكاك السّاكن). لقد قام روّاد بحث الاحتكاك بإيجاد هذه العلاقات المذكورة، وهي صحيحة في العديد من الحالات. سنتطرّق هنا إلى هذه الحالات فقط. مع ذلك، يجدر التّنويه إلى أنّ هناك حالات لا تنطبق عليها هذه العلاقات، مثل المواد الملتصقة بقوّة مثل الورق اللاصق أو المعجون.لأي شيء يرمز معامل الاحتكاك وكيف نستطيع أن نقيسه؟
يتم تحديد معامل الاحتكاك بحسب الموادّ التي صُنع منها كلّ منّ السّطحين المتلامسين، وهو يرمز إلى مدى التّفاعل بين جزيئات المواد. لتحديد قيمة معامل الاحتكاك بين السطحين أ و ب (قد يكونان من المادّة نفسها أو من مواد مختلفة)، يتم وضع الجسم أ على السّطح ب، ثم تتم إمالة السّطح حتّى تبدأ حركة الجسم.
كلّما كانت زاوية الإمالة، α،أكبر، فإنّ ظلّها (tangent) يكبر، أيضًا. هذا يعني أنّنا نستطيع أن نرفع السّطح المائل بزاوية أكبر، ولن يتسبّب ذلك بانزلاق الجسم ب إلى أسفل، لأنّ الاحتكاك بين الاثنين سيحول دون ذلك.
عندما يكون الاحتكاك بين السّطحين صغيرًا - فذلك يعني أنّه حتّى بزوايا ميلان صغيرة سينزلق الجسم إلى أسفل.
أمثلة على قيم معامل الاحتكاك بين موادّ صلبة - قيم معامل الاحتكاك السّاكن μSوالاحتكاك الحركيμkلبعض الموادّ:
(من كتاب "الميكانيكا" لسيرس فزمينسكي)
نوع المادّة | معامل الاحتكاك السّاكن μS | معامل الاحتكاك الحركيّ μk |
فولاذ على فولاذ | 0.74 | 0.57 |
ألومينيوم على فولاذ | 0.61 | 0.47 |
نحاس على فولاذ | 0.53 | 0.36 |
فلز على فولاذ | 0.51 | 0.44 |
خارصين على حديد مصبوب | 0.85 | 0.21 |
نحاس على حديد مصبوب | 1.05 | 0.29 |
زجاج على زجاج | 0.94 | 0.40 |
نحاس على زجاج | 0.68 | 0.53 |
تفلون على تفلون | 0.04 | 0.04 |
تفلون على فولاذ | 0.04 | 0.04 |
تخبرنا كتب الفيزياء أنّ الاحتكاك الحركي ليس "قوّة حافظة" – ما المقصود من ذلك؟
تتعدّد التّعريفات في الفيزياء للمصطلح "قوّة حافظة". سنختار هنا التّعريف التّالي: تدعى القوّة قوةً حافظة إذا كان الفعل الذي تقوم به على جسم متحرّك يتعلّق فقط بنقطتي الانطلاق والنّهاية (دون علاقة بالمسار الذي اتّخذته الحركة). لننظر، على سبيل المثال، إلى الرّسم المرافق، ولنفرض أنّه يصف مسارًا فيه النّقطة 2 على ارتفاع أكبر من النّقطة 1. إذا قمنا برفع المكعّب من النّقطة 1 إلى النّقطة 2 - فإنّنا نقوم بفعل ضد قوّة الجاذبيّة. عندما يصل المكعّب إلى النّقطة 2 نستطيع أن نقول أنّ الفعل الذي بذلناه معناه أنّ للجسم في النّقطة 2 طاقة وضع أكبر من تلك التي كانت لديه في النّقطة 1.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
إنّ الفرق بين بطاقة الوضع بين هاتين النّقطتين لا يتعلّق أبدًا بالمسار التي يمرّ به المكعّب (أي لا يتعلّق بالمسار الذي سلكه المكعّب – هل هو المسار s1أم المسار s2)، إنّما يتعلّق فقط بالفرق بين ارتفاعي النّقطتين وبوزن المكعّب. لذا، نقول إنّ قوّة الجاذبيّة هي قوّة حافظة.
لنفرض الآن أنّ الرّسم يصف مسارين مرسومين على مائدة أفقيّة. إذا تطرّقنا إلى الفعل الذي ستبذله قوّة الاحتكاك الحركيّ على المكعّب في كلّ واحد من هذين المسارين، فمن الواضح أنّه في المسار s1ستبذل القوّة فعلا أكبر من المسار s2(الأقصر من s1)، لذا فإنّ قوّة الاحتكاك الحركي تدعى "قوّة غير حافظة". إنّ الفعل الذي ستبذله قوّة الاحتكاك في كلّ واحد من المسارين أعلاه سيؤدّي إلى احترار المكعّب والمائدة. في حال كان المساران متطابقين من ناحية خواص المواد، ومختلفين من ناحية طول كلّ منهما فقط، فمن الواضح أنّه في المسار الأطول ستكون درجة الاحترار أعلى.
في بعض الأحيان، قد نبدي اهتمامًا بالاحترار النّاتج عن الاحتكاك (عند فرك عود ثقاب بأحد جانبي علبة كبريت، مثلا)، وأحيانًا يشكّل هذا الاحترار عائقًا (عندما تصطكّ أجزاء السّيارة بعضها ببعض، مثلا).
ما هي الأفكار المسبقة القائمة حول الاحتكاك؟
[list="margin-right: 0px; margin-left: 0px; padding-right: 0px; padding-left: 0px; list-style-position: inside; color: rgb(0, 0, 0); font-family: Arial, Helvetica, sans-serif; font-size: 14px; background-color: rgb(255, 255, 255);"]
[*]تعيق قوّة الاحتكاك الحركة دومًا - هذا غير صحيح. لقد رأينا أعلاه أنّ هناك حالات يعيق فيها الاحتكاك الحركة وحالات أخرى يساعد فيها على الحركة ويجعلها ممكنة.
[*]الاحتكاك بين دواليب السّيارة خلال السّفر وبين الشّارع، أو بين قدمي شخص يسير وبين الشّارع هو احتكاك حركي - هذا غير صحيح. بالرّغم من أنّ هذه الأجسام آخذة في الحركة، فإنّ الاحتكاك بينها وبين السّطح الذي تسير عليه هو احتكاك ساكن (البعض يطلق على هذا الاحتكاك اسم "الاحتكاك الدّولابيّ").
[*]قوّ الاحتكاك السّاكن بين جسمين موجودة في جميع الحالات التي يتلامس فيها الجسمان - هذا غير صحيح. يبدأ الاحتكاك السّاكن عندما يتمّ تشغيل قوّة على جسم ما، أي عندما نحاول دفعه أو جذبه. طالما أنّ محصّلة القوى على جسم ما (باستثناء قوّة الاحتكاك بينه وبين السّطح) بالاتّجاه الموازي للسّطح تساوي 0، لا توجد عندها قوّة احتكاك بين الجسم والسّطح.
[*]إنّ قيمة قوّة الاحتكاك السّاكن بين الأجسام هي قيمة ثابتة - هذا غير صحيح. كلّما كانت قيمة التّفاعل بين جسمين أكبر، كان الاحتكاك السّاكن النّاتج بين هذين الجسمين أكبر (إلى حدّ ما، وهو حدّ الاحتكاك السّاكن الأقصى).
[*]إنّ الاحتكاك موجود بسبب خشونة السّطحين - غير صحيح. قد ينتج احتكاك، وحتّى قدر كبير من الاحتكاك، كذلك بين سطحين أملسين جدًّا، طالما كانت هناك قوى تعمل بين جزيئات سطح وآخر.
[*]تعمل سوائل التّزييت على جعل الأسطح ملساء أكثر، ولذا فإنّها تقلّص قوّة الاحتكاك - هذا غير صحيح. عند استخدام سوائل التّزييت، يجب التّغلّب فقط على القوى النّاتجة بين جزيئات مادّة التّزييت نفسها. هذه القوى صغيرة جدًّا، عمومًا، لذا فإنّنا نشعر باحتكاك بسيط جدًّا.
[*]قيمة قوّة الاحتكاك تتعلّق بمساحة سطح التّلامس - هذا غير صحيح في العديد من الحالات.
[*]قيمة قوّة الاحتكاك تتعلّق فقط بنوع مادّة أحد السّطحين - غير صحيح. تتعلّق قوّة الاحتكاك دومًا بكلا السّطحين لأنّ القوى بين الجزيئات تتعلّق بخواص هذه الجزيئات.
[*]تأتي قوّة الاحتكاك السّاكن دومًا كردّ على قوّة أخرى - هذا غير صحيح. على سبيل المثال، عندما يحرّك النّادل صينيّة كان قد وضع عليها أطباق طعام، فإنّ القوّة التي تحرّك الأطباق هي قوّة ساكنة تشغّلها الصّينيّة. إنّ القوّة التي تشغّلها الصّحون على الصّينيّة هي قوى احتكاك ساكن، أيضًا
[/list]