أبو ذؤيب الهذلي
أبو ذؤيب الهذلي شاعر، مخضرم جاهلي إسلامي، أسلم على عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلا أنه لم يره.
ذكر محمد بن إسحاق بن يسار قال: حدثني أبو الآكام الهذلي عن الهرماس بن صعصعة الهذلي عن أبيه أن أبا ذؤيب الشاعر حدثه قال: «بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عليل فاستشعرت حزناً وبت بأطول ليلة لا ينجاب ديجورها ولا يطلع نورها فظللت أقاسي طولها حتى إذا كان قرب السحر أغفيت فهتف بي هاتف وهو يقول: خطب أجل أناخ بالإسلام بين النخيل ومعقد الآطام قال أبو ذؤيب: فوثبت من نومي فزعاً فنظرت إلى السماء فلم أر إلا سعد الذابح فتفاءلت به ذبحاً يقع في العرب، وعلمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قبض وهو ميت من علته فركبت ناقتي وسرت، فلما أصبحت طلبت شيئاً أزجر به فعن شيهم يعني القنفذ وقد قبض على صل يعني الحية فهي تلتوي عليه والشيهم يقضمها حتى أكلها فزجرت ذلك فقلت الشيهم شيء مهم والتواء الصل التواء الناس عن الحق على القائم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أولت أكل الشيهم إياها غلبه القائم بعده على الأمر فحثثت ناقتي حتى إذا كنت بالغاية فزجرت الطائر فأخبرني بوفاته ونعب غراب سانح فنطق بمثل ذلك فتعوذت بالله من شر ما عن لي في طريقي وقدمت المدينة ولها ضجيج بالبكاء كضجيج الحاج إذا أهلوا بالإحرام».
فقلت:« مه. قالوا: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت إلى المسجد فوجدته خاليا فأتيت بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصبت بابه مرتجا وقيل هو مسجى وقد خلا به أهله فقلت: أين الناس فقيل: في سقيفة بني ساعدة صاروا إلى الأنصار».
وأكمل قائلا: «فجئت إلى السقيفة فأصبت أبا بكر وعمر وأبا عبيدة بن الجراح وسالما جماعة من قريش ورأيت الأنصار فيهم سعد بن عبادة بن دليم وفيهم شعراء وهم: حسان بن ثابت وكعب بن مالك وملأ منهم فآويت إلى قريش وتكلمت الأنصار فأطالوا الخطاب وأكثروا الصواب وتكلم أبو بكر فلله دره من رجل لا يطيل الكلام ويعلم مواضع فصل الخصام والله لقد تكلم بكلام لا يسمعه سامع إلا انقاد له ومال إليه، ثم تكلم عمر بعده بدون كلامه ومد يده فبايعه وبايعوه ورجع أبو بكر ورجعت معه».
قال أبو ذؤيب: «فشهدت الصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم وشهدت دفنه صلى الله عليه وسلم ثم أنشد أبو ذؤيب يبكي النبي صلى الله عليه وسلم»:
لما رأيت الناس في عسلاتهم ما بين ملحود له ومضرح
متبادرين لشرجع بأكفهم نص الرقاب لفقد أبيض أروح
فهناك صرت إلى الهموم ومن يبت جار الهموم يبيت غير مروح
كسفت لمصرعه النجوم وبدرها وتزعزعت آطام بطن الأبطح
وتزعزعت أجبال يثرب كلها ونخيلها لحلول خطب مفدح
ولقد زجرت الطير قبل وفاته بمصابه وزجرت سعد الأذبح
وزجرت أن نعب المشحج سانحا متفائلاً فيه بفأل الأقبح
قال: «ثم انصرف أبو ذؤيب إلى باديته فأقام بها».
توفي أبو ذؤيب في خلافة عثمان بن عفان بطريق مكة قريبا منها ودفنه ابن الزبير. وغزا أبو ذؤيب مع عبد الله بن الزبير إفريقية ومدحه. وقيل: إنه مات في غزوة إفريقية بمصر منصرفاً بالفتح مع ابن الزبير فدفنه ابن الزبير ونفذ بالفتح وحده. وقيل: إن أبا ذؤيب مات غازيا بأرض الروم ودفن هناك وإنه لا يعلم لأحد من المسلمين قبر وراء قبره. وكان عمر ندبه إلى الجهاد فلم يزل مجاهداً حتى مات بأرض الروم. ودفنه هناك ابنه أبو عبيد وعند موته قال له: «أبا عبيد رفع الكتاب واقترب الموعد والحساب في أبيات».
قال محمد بن سلام: قال أبو عمرو: «وسئل حسان بن ثابت من أشعر الناس فقال حيا أم رجلا قالوا: حيا. قال: هذيل أشعر الناس حيا» وأضاف ابن سلام وأقول: «إن أشعر هذيل أبو ذؤيب».
وقال عمر بن شبة: «تقدم أبو ذؤيب على جميع شعراء هذيل بقصيدته العينية التي يرثي فيها بنيه».
وقال الأصمعي: أبرع بيت قالته العرب بيت أبو ذؤيب: «والنفس راغبة إذا رغبتها»
وهذا البيت من شعره المفضل الذي يرثي فيه بنيه وكانوا خمسة أصيبوا في عام واحد وفيه حكم وشواهد وله حيث يقول في مقدمته:
أمن المنون وريبها تتوجع والدهر ليس بمعتب من يجزع
قالت أمامة ما لجسمك شاحبا منذ ابتذلت ومثل مالك ينفع