أسماء الاستفهام
أسماء الاستفهام إما مبنية وإما معربة، وتستعمل للتصوّر فقط ويحدّد فعل التصور؛ ويوضَّح بالإجابة حين يُعَيَّن المسؤول عنه. والمبنية سبعة أسماء والمعربة اسم واحد، كما هو مبين فيما يأتي.
1 ـ الأسماء المبنية:
وتبنى على حركة آخرها؛ وهي:
1 ـ ما: وتستعمل لغير العاقل؛ ويطلب بها السؤال عن معرفة حقيقة الشيء المستفهم عنه أو شرحه. فمن معرفة الحقيقة قولنا: (ما الإنسان؟ أو ما العَسْجد؟).
ومن معرفة شرح حاله أو صفته قوله تعالى: ادعُ لنا ربَّك يبيِّن لنا ما هي (البقرة 2/68)؛ وقوله: ادعُ لنا ربَّكَ يبيِّنُ لنا ما لونُها... (البقرة 2/69) وقوله: ما تِلْكَ بيمينكَ يا موسى... (طه 20/17) وقوله: ما سَلَكَكُم في صَقَرَ (المدثر 74/42). فاستعمل (ما) لم يكن فقط للدلالة على غير العاقل، وإنما أبرزت معنى المباينة الدالة على الإبداع، فهي توحي بالزجر والإنذار... أما من جهة حذف (الألف) في (ما) فإنه يقع في (ما) الاستفهامية للتفريق بينها وبين (ما) الموصولية، أي للتفريق بين الاستفهام والخبر، كقوله تعالى: فيمَ أَنتَ مِنْ ذكراها (النازعات 79/43). وحذف الألف مع الجر واجب، وندر إثباته إلا للضرورة الشعرية كما في قول حسان بن ثابت:
على ما قام يشتمُني لئيمٌ كخِنْزيرٍ تَمَرَّغ في دَمانِ؟!
ويجوز إثباتها في الاستفهام التعجبي على مَنْ ذهب لهذا المعنى في قوله تعالى: فبما رحمةٍ من الله لِنْتَ لهم (آل عمران 3/159) فهي بمعنى: فبأيّ رحمةٍ... أما من جعل (ما) في هذه الآية زائدة فقد خرج من الموضوع كله، فهي زائدة للتوكيد(37).
وإذا رُكِّبَتْ (ما) مع (ذا) لا تحذف ألفها، وتكون أداة متكاملة، كلها اسم جنس بمعنى شيء، كقول المثقب العبدي:
دَعِي ماذا عَلمْتُ؟ سأَتَّقيهِ ولكِنْ بالمُغَيَّبِ نَبِّئيني
فالجمهور أعرب (ماذا) مفعولاً به لفعل (دعي)(38). واختلف في شأن تركيب (ماذا) فمنهم من لم يرض بأن تكون كلها اسم جنس، وذهبوا إلى أن (ذا) إما موصولية وإما اسم إشارة؛ وعليه قوله تعالى: يَسألونكَ: ماذا ينفقون؟ (البقرة 2/219).
2 ـ مَنْ: اسم يستعمل للعاقل ـ غالباً ـ ويُسْتَفسر به عن الجنس، كقوله تعالى: قال: مَنْ يُحيي العظام وهي رميم (يس 36/78) وكقولنا: (مَنْ سافر اليوم؟ ومَنْ فتح إفريقيَّة؟)؛ وقال حافظ إبراهيم:
مَنِ المداوي إذا ما عِلَّةٌ عرضَتْ؟ مَن المُدافعُ عن عِرْضٍ وعَنْ نَشَبِ؟!
ويجوز تركيب (مَنْ) و(ذا) لتصبح كلمة واحدة، لأن كلاً منهما مبهم، كقولنا: (منذا قابلت؟) (منذا قدَّمت وأخَّرْت؟). واختلف اللغويون في شأن ذلك؛ فمنهم من رأى زيادتها؛ ومنهم مَنْ رأى أنها موصولة(39) محتجين بقوله تعالى: مَنْ ذا الذي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً (البقرة 2/245).
3 ـ كم: يأتي هذا الاسم بالاستفهام وغيره؛ وهو اسم لعدد مبهم الجنس والمقدار، وهو عند ابن هشام ليس مركباً خلافاً لما ذهب إليه بعض اللغويين كالكسائي والفرّاء، ولا خلاف في اسمية الاستفهامية. و(كم) اسم استفهام مفتقر إلى تمييز منصوب، ويتصدر جملته؛ كقوله تعالى: كم لبثتم؟ قالوا: يوماً أو بعضَ يوم (الكهف 18/19) وكقولنا: (كم كتاباً قرأت؟). ويجوز أن تجر (كم) بحرف جر، وحينئذٍ يجر التمييز معها، كقولنا: (بكَمْ دِرْهمٍ اشتريتَ الكتاب؟) ويجوز حذف التمييز (كم مالُك؟!).
4 ـ أَيْنَ: ظرف يستفهم به عن المكان الذي حلَّ فيه الشيء كقوله تعالى: يقول الإنسان يومئذ: أين المَفَرّ؟ (القيامة 75/10) وكقولنا: أين سافرت؟ وكقول المرقش الأكبر:
إنَّا لمِن معشرٍ أَفنى أوائِلَهم قِيْلُ الكماةِ: ألا أينَ المُحَامونا؟
ويجوز أن تسبق بحرف الجر (من) للدلالة على مكان بروز الشيء، مثل: (من أين تخرجّت؟)
5 ـ متى: المشهور فيها أنها ظرف (استفهام وشرط) والاستفهام فيها لتعيين الزمن ماضياً أو مستقبلاً؛ كقولنا: (متى سافر أحمد؟ ومتى تعود؟) وقال حافظ إبراهيم:
متى نراه وقد باتتْ خزائنه كنزاً من العلم لا كنزاً من الذَهبِ؟!
وقد وقعت حرف جر في لغة هذيل، وليس هنا الحديث عنه؛ وعن اسم الشرط.
6 ـ أيَّان: ظرف بمعنى (الحِيْن) يطلب به تعيين زمان المستقبل فقط؛ كقولنا: (أيان تسافر؟ أي في أيّ وقت).
ووقع استعماله في القرآن الكريم في غير المعنى الحقيقي، إذ وقع في التفخيم أو التهويل مثل قوله تعالى: يسألونك عن الساعة: أَيَّانَ مُرْساها؟ (الأعراف 7/187) و(النازعات 79/42) أو في غير ذلك.
واعلم أننا حين نفسر الاستفهام على هذا الوجه إنما لأنه محض المعنى؛ ليتنبه السائل على الحقيقة فيرجع إلى نفسه ويخجل من السؤال الذي يطرحه، ثم يأتي جواب الآية ليردعهُ...(40).
7 ـ كيف: اسم يستعمل للسؤال عن الحال سواءً وقع اسماً صريحاً يُخْبَرُ به كقولنا: (كيف أنت؟) و(كيف كنت؟) أم وقع فضلة كقولنا: (كيف جاء زيد؟) ومثله قوله تعالى: فكيف إذا جِئنا من كل أُمَّةٍ بشهيد (النساء 4/41)، وقول الفرزدق:
إلى الله أَشكو بالمدينة حاجةً وبالشام أخرى؛ كيف يلتقيان؟
فوصف الحال ثابت في الاستفهام، وهو يدل على أن السقم والتذمر موجود ثابت فيه، وبهذا تتجلى جماليته.
8 ـ أَنَّى: يستعمل هذا الاسم للسؤال عن المكان والزمان والحال تبعاً للسياق، وتقوم مقام (أين أو متى، أو كيف). فهو بمعنى (من أين) في قوله تعالى: يا مَرْيَمُ، أَنَّى لك هذا (آل عمران 3/57) وكقولنا: (أنَّى تجلس؟).
وهو بمعنى (متى) في قولنا: (أنَّى تذهب؟).
وبمعنى (كيف) في قوله تعالى: أَنَّى يحيى هذه الله بعد موتها؟ (البقرة 2/259).
والسياق يدل على أن الإلزام بمجيء الشيء بعد وصف ثابت بقدرة الله، كما تدل عليه بقية الآية(41).
2 ـ الأسماء المعربة؛ وهي اسم واحد هو (أيّ).
أيُّ: اسم استفهام يستعمل مُشدَّداً كقوله تعالى: أَيُّكم زادَتْه هذه إيماناً (التوبة 9/124) أي بتضعيف الياء، وقد يخفف كما في قول الفرزدق يمدح فيه نَصْر بن سيّار:
تنظَّرْتُ نَصْراً والسماكينِ أيْهُما عليَّ من الغَيْث استَهَلَّتْ مواطرُهْ
ويجوز أن يسبق بحروف قبله كقوله تعالى: فبأيِّ آلاء ربكما تكذبان (الرحمن 55/13).
هذا من جهة بنية الكلمة في الاستعمال، أما من جهة استعمالها اسم استفهام حقيقي فإنها تُستعمل بمعنى أسماء الاستفهام المبنية كلها تبعاً لإضافتها إلى ما بعدها... فيطلب بها تحديد شيء في أمر مشترك وعام كقولنا: (أَيُّكما أكبر سناً؟).
فالمتكلم يستفسر عن تمييز شيء مشترك بينهما وهو كبر السن، ولكن أحدهما زاد في العمر على الآخر؛ ولهذا يطلب التحديد.
ويكتسب الاسم (أي) دلالته من إضافته، فالإضافة توضح في أيٍّ من معاني الاستفهام استعمل، كقولنا: (أيُّ الطلاب عندك؟) كأننا نسأل: (مَنْ من الطلاب عندك؟)... أو (أَيَّ يوم تسافر؟) كأننا نسأل: (متى تسافر؟) وكقوله تعالى: أيُّكم يأتيني بعرشها (النمل 27/38)، أي (مَنْ منكم)؟ فأي الاستفهامية تضاف إلى المعرفة وإلى النكرة، وقد تقطع عن الإضافة نحو: (أيٌّ جاء؟) و(أيَّاً أكرمتَ؟).
فالصلة الجمالية بين أُسلوب الاستفهام الحقيقي وبين الجمال إنما تتحقق بالتفاعل الواقعي مع الصفات والأفكار على مستوى الطابع الفكري والاجتماعي والنفسي وفق منظور الموضوع الحقيقي الذي يرتبط بنوعية الطلب ووظيفته. فالمحتوى يفصح عن حقائق ومدركات تنهض بالصياغة الجمالية بوساطة الاستفهام الحقيقي، على حين تغدو صياغة بعيدة عن المباشرة في أساليب الاستفهام المجازية، وهو ما نراه فيما يأتي.