تحريك الموائع
تحريك الموائع fluid dynamics فرع مهم من فروع ميكانيك الموائع، حقل تطبيقاته واسع جداً يمتد إلى الظواهر الرصدية الجوية وإلى دوران الدم في الأوعية الدموية. يهتم ميكانيك الموائع بدراسة توازن الموائع وحركتها، وبتعيين القوى المتبادلة بين الموائع والأجسام الصلبة التي تقع على تماس معها. وإذا كان توازن الموائع[ر] يبحث في شروط توازن كتلة منه، أو في شروط توازن جسم صلب على تماس مع المائع في وضع السكون، فإن الوظيفة الأساسية لتحريك الموائع هي دراسة الحركة الناشئة عن تأثير القوى في المائع انطلاقاً من المبدأ الأساسي للتحريك.
الموائع والقوى المؤثرة فيها
1ـ الموائع والسوائل والغازات: عندما تؤثر قوة أو مجموعة قوى في مادةٍ ما فإنها تتشوه (يتغير شكلها)، بَيْدَ أن هذا التشوه deformation يختلف من مادة إلى أخرى، ففي بعض المواد يكون هذا التشوه، تحت تأثير قوى مفروضة، محدوداً يزول بزوال القوى كما في الأجسام المرنة elastic أو يبقى رغم زوال القوى كما في الأجسام اللدنة plastic، وقد لا يتوقف التشوه في بعضٍ آخر من الأجسام عند حد، بل يزداد باستمرار مهما كانت القوى صغيرة؛ وهذه الأجسام هي الموائع كالماء والهواء... هذا من وجهة النظر العِيانية (الماكروسكوبية). أما إذا أُخضعت المادة لفحصٍ مجهري؛ أي إلى التركيب الجزيئي للمادة، فإنه يمكن القول إن أي مادة تتكون من جزيئات تتحرك عشوائياً وتفصل بعضها عن بعض مسافات لا تقل بأبعادها عن حجوم الجزيئات نفسها. وتختلف المواد عن بعضها حسب هذه المسافات، ففي بعض منها تكون هذه المسافات كبيرة، وهذه حال ما يسمى الغازات gases، وفي بعضها الآخر تكون صغيرة وهذه حال ما يسمى السوائل liquids. أما في الأجسام الصلبة فتكون هذه المسافات صغيرة جداً. وهذا يوضح الاختلاف الكبير في الكتلة الحجمية (كتلة واحدة الحجم) في هذين النوعين من الموائع.
فالكتلة الحجمية للماء هي 1000كغ/م3، أما للهواء فهي، في درجة الحرارة 20ْ مئوية وتحت الضغط الجوي العادي، 1.2 كغ/م3.
وتتميز الموائع بسهولة فصل أي جزء منها عن الجزء الآخر، وإمكانية تقسيمها إلى أجزاء صغيرة جداً. وتتميز الغازات عن السوائل بكونها تملأ أي فراغ مغلق تصل إليه أو توضع فيه؛ أما السوائل فهي تأخذ، إذا وضع جزء منها بدرجة حرارة ثابتة وتحت ضغط معين في إناء مفتوح شكل الجزء الأسفل من الإناء بتأثير الجاذبية الأرضية، ويكون سطحها العلوي بوجه عام أفقياً.
ويقال عن المائع إنه ضَغوط (قابل للانضغاط) comprissible إذا كان من الممكن لحجمه أن يتغير نتيجة تأثير القوى فيه. أما إذا ظلَّ الحجم ثابتاً مهما كانت القوى المؤثرة في المائع فيقال عنه عندئذ إنه غير ضغوط. ومع أن جميع الموائع ضغوطة، إلا أن ضغوطية السوائل خفيفة جداً إذ يمكن عدّها إلى حد بعيد غير ضغوطة.
ومع هذا الاختلاف بين طبيعة السائل وطبيعة الغاز، فإنه يمكن ضمن شروط معينة أن تخضع السوائل والغازات لقوانين عامة واحدة. وقد كان ينظر إلى دراسة حركة المائع على أنها أعقد بكثير من دراسة حركة الجسم الصلب، ولعل ذلك ناجم عن النظرة إلى الجسم الصلب على أنه مكون من مجموعة من الجزيئات ترتبط فيما بينها بشكل متماسك (الأبعاد بين هذه الجزيئات ثابتة)، في حين ينظر إلى المائع على أنه مكون من عدد غير منته من الجزيئات يمكن لأي منها أن يتحرك بالنسبة لغيره من الجزيئات. وهذا ما دعا غاليلو[ر] إلى القول «إن دراسة حركات نجوم بعيدة جداً أسهل من دراسة حركة جدول ماء يجري عند أقدامنا». غير أن تقدم الوسائل الرياضية جعل دراسة حركة الموائع ليست أعقد كثيراً من دراسة حركة الجسم الصلب.
ويقتصر علم تحريك السوائل hydrodynamics على دراسة حركة الموائع غير الضغوطة (السوائل)، وأما تحريك الغازات aerodynamics فينصرف إلى دراسة حركة الموائع الضغوطة (الغازات) وخاصة حين تكون سرعة الجريان كبيرة.
2ـ طبيعة الموائع والجريانات: تصنف القوى التي تؤثر في المائع إلى:
أ ـ قوى خارجية وتنتج عن مؤثرات خارجية عن المائع.
ب ـ قوى داخلية وتنتج عن التأثير المتبادل بين جزيئات المائع. وإذا نُظر إلى مقدار معين من مائع يشغل حجماً معيناً (ح) محاطاً بسطح مغلق (سط)، فإن المائع المحيط بـ (ح) يؤثر في (ح) نفسه بقوى يمكن عدّها، بسبب صغر أبعاد حقل التأثير، مؤثرة في السطح (سط). ولهذا السبب فإنها تسمى قوى سطحية تمييزاً لها من القوى الخارجية التي تسمى قوى حجمية أو قوى كتلة. وإذا كانت ن نقطة من (سط)، وإذا رُمز لمحصلة القوى السطحية المؤثرة في واحدة سطح تقع عليه ن بـ ، وإذا فَرِّقت إلى مركبتين إحداهما ناظمية وتسمى الضغط (الناظمي) والثانية مماسية وتسمى التوتر المماسي. وإذا ما كانت المركبة المماسية معدومة في كل نقطة ن من المائع، ومهما كان اتجاه الناظم على أي سطح في المائع تقع عليه ن، فإنه يقال عن المائع إنه مثالي ideal أو كامل، ويقال عنه فيما سوى ذلك إنه لزج viscous