لتعريف الفن التشكيلي
تعددت أنواع الفنون وفروعها وتقسيماتها بناء على الدراسات الإنسانية من مختلف جوانبها الفلسفية والنظرية والتطبيقية وقد اتفقت معظم هذه الدراسات على تقسيم الفنون إلى أربعة أقسام رئيسية هي:
( الفنون البصرية ، المسرح ، الموسيقى ، العمارة) ونظراً لاهتمامنا هنا بالفنون البصرية فإننا سنتناول في حديثنا هنا هذا الفرع من الفنون بصفتنا نمارس العمل التشكيلي الذي يعتمد على الرسالة البصرية في أدواته وتقنياته ووسائطه المختلفة ، ودعونا قبل الخوض في الحديث عن الفنون البصرية نتناول بعض المصطلحات بالتعريف والدراسة من مصادرها .
الفن : الفن في اللغة هو واحد الفنون . وهي الأنواع ، والفن : الحال .
والفن : الضرب من الشيء والجمع أفنان وفنون . وهو الأفنون .. يقال : رعينا فنون النبات . وأصبنا فنون الأموال .
وفي تعريف آخر : هو تطبيق الفنان معارفه على ما يتناوله من صور الطبيعة فيرتفع به إلى مثل أعلى تحقيقاً لفكرة أو عاطفة يقصد بها التعبير عن الجمال الأكمل تلذيذاً للعقل والقلب .
وإذا تناولنا كلمة (Art) فنجد أنها تنحدر من التعبير اللاتيني آر، آرتيسars ،artis ، بمعنى الترتيب ، والذي كان يعنى في بداية استعماله : معرفة . علم Science ,Savoir . ثم تحول المعنى فيما بعد ليصبح : طريقة أو وسيلة Moyen , Method . ولقد أعطى التعبير اللاتيني آر ars لكلمة Art معظم معانيها التي استخدمت في معظم القواميس الأوروبية والتي تعادل إلى حد كبير معاني كلمة تكنة tekhne في اللغة الإغريقية .
وبناء على تلك القواميس وعلى ما تعطيه المراجع الأدبية و الفلسفية يمكن ترجمة مفهوم هذه الكلمة كالتالي :
” استعمال بعض القدرات الذهنية أو بعض المهارات اليدوية في تحقيق عمل ما . أو في صنع حاجة ما . ، وبمعنى آخر هي كلمة يمكن أن نعرف بها أو نطلقها على العملية التي يقوم بها المرء ويؤدي في الأخير إلى صنع شيء ما . دون أن يكون للطبيعة نفسها أي دور في هذه العملية ” .
وبناء على هذا التعريف الذي ميز بين ما هو من صنع الإنسان وما هو من صنع الطبيعة دون تدخل الإنسان فيه بأي شكلٍ من الأشكال يمكننا التعرف عند تأملنا على أي شيء من صنع الإنسان على جانبين هما :
- الصنعة أو الحرفة التي تمت عليها وبها صناعة تلك الحاجة .
- الجانب المتعلق بالخامة أو المادة الأولية التي صنعت منها الحاجة نفسها .
هذا التقسيم بدوره يقودنا إلى مفاهيم فنية طرأت على الفن وقسمته إلى عدة تقسيمات على أساس المفهوم الذي بنينا عليه التعريف الأساسي للفن ومن هذه المفاهيم :
الفنون الجميلة : وهي ما كان موضوعها تمثيل الجمال كالموسيقى والتصوير والشعر والبلاغة والنحت وفن البناء والرقص .
Fine art – is defined as ‘a visual art created primarily for aesthetic (concerned with emotion and sensation as opposed to intellectuality) purposes and valued for its beauty or expressiveness, specifically, painting, sculpture, drawing, watercolor, graphics, or architecture
وإذا نظرنا إلى مصطلح الفنون الجميلةFine Arts) ) التي هي – وكما ورد في المعاجم الأجنبية – “اللفظة الشائعة” للفنون البصرية (Visual Arts ) نظراً لارتباط فكرة الفن بالجمال النابعة عن اقترانه بفضيلة الإتقان كون الفنان كلمة تطلق على من يتقن عمله وينجزه على أتم وجه بل اتقاناً يفوق المعهود أو المتوقع أحياناً انطلاقاً من رؤية فكرية وعقائدية إلى جانب الناحية المعنوية التي تقود إلى الإحساس بالرضا ثم الإحساس بالجمال .
وكون الفنون البصرية تعتمد على إدراكها في الأساس على حاسة البصر الذي أخذت منه مسماها فهي تعتمد على الشكل الذي من خلاله تتجسد أمامنا هيئة العمل الفني أو صورته .
والشكل في اللغة واحد أشكال وشكول وهو الشبه أي صورة الأشياء المحسوسة أو المتوهمة ويراد به غالباً ما كان من الهيئات يلاحظ من خلالها أوضاع الجسم كالإستدارة والاستقامة والاعوجاج .. وهو أيضاً المذهب أو القصد .. وجمال المنظر .. يقال فلان شكله جميل .. أي أنه حسن الصورة ، وشكل الشيء : صوره .
والفنون الإنسانية جميعها هي تجميع العناصر لإيجاد التكوين ” Composition ” وهذه الكلمة تتألف من مقطعين هما : “Comp ” بمعنى Together (معاً) والشق الثاني “Position” أي (وضع) بمعنى وضع الأجزاء معاً ليتكون منها كلاً .
ودور الفنان هو بمثابة أداة لتنظيم هذه العناصر وفقاً لنمط أو نهج رآه معبراً عن ميوله وأحاسيسه ، فالفنون لا تخلق وإنما تشكّل العناصر .
حيث يقوم الإنسان بتجميع الهيئات والأشكال أسوة بالطبيعة التي تعد رائدة الفنون التجميعية “Combination Arts ” أو ما يعرف بالفنون التشكيلية .
ولعل أقدم الفنون التي عرفها الإنسان .. فن التصوير الذي ظهر في العصر الأورجناسي الأسفل أواخر العصر الحجري القديم في براسمبوي بمقاطعة لاند في فرنسا من خلال تمثال منحوت لرأس امرأة .. بالاضافة إلى الصور الجدارية التي وجدت في كهوف لاسكو بفرنسا .. وإن أردنا تعريف التصوير كمصطلح عام : فهو فن تمثيل الأشخاص والأشياء بالألوان والصورة هي كل ما يصوّر وهي الصفة والنوع والوجه والهيئة .. يقال صورة لأمر كذا .. أي شكله .
وقال المصنف في البصائر : الصورة ما ينتقش به الإنسان ويتميز بها عن غيره ، وذلك ضربان :
- ضرب محسوس يدركه الخاصة والعامة بل يدركها اإنسان وكثير من الحيوانات كصورة الإنسان والفرس والحمار .
- ضرب معقول يدركه الخاصة دون العامة كالصورة التي اختص بها الإنسان من العقل والروية والمعاني التي تميز بها .
قد كانت مجالات الفنون متمازجة ومتلاحمة ومترابطة ببعضها حتى تم تمييزها في القرن السادس عشر الميلادي في فلورنسا بإيطاليا ، حيث تم تمييز الرسم والتصوير بالألوان والنحت وغيرها ، وإبعادها عن الحرف اليدوية والصناعات مثل صناعة الأواني والأثاث والتطريز وغيرها .
وقد حدث هذا التمييز بعد أن أخذ مفهوم الفن عند الأوروبيين يتبدل ليصبح مفهوماً متأصلاً فكرياً . بمعنى أنه قد صارت له من النظريات العلمية والأدبيات المتداولة بين الفنانين ما يميز بين ما هو حرفي ويدوي وبين الفن الذي صار مجالاً ثانياً مختلفاً يعتمد فيه في إنتاجه على الفكر والجهد الذهني .فأصبح الفن بمثابة العلم البحثي أي انه اصبح نوعاً من العلم قائم على دراسة مبادئ تصاميم الظاهر الطبيعي أو المرئي المحسوس للأشياء .. نتيجة للدراسات العميقة والنظريات الراقية التي خلفها فنانو عصر النهضة الأوروبية مثل ليوناردو دافنشي ورفائيل ومايكل أنجلو .
مما سبق نستخلص أن الفن التشكيلي بكافة فروعه وباجتماع عناصره هو الاسم الجامع لما يمارسه الإنسان من تجميع للعناصر والخامات التي يعبر بها عن فكره وعن رسائله الموجهة وعن رؤاه مستخدماً في ذلك الأدوات التي تمكنه من توصيل ما أراده من خلالها ضمن إطار جمالي .
وهذا العمل في المقام الأول نابع من عواطفه ومشاعره الإنسانية وردود الفعل الناتجة من باطن تفكيره .. معتمداً في نفس الوقت على منهج البحث العلمي والرؤية الفكرية المدروسة بشكل موازٍ لهذا التعبير .
ويبقى الفن التشكيلي محتفظاً بأهميته التاريخية والفكرية النابعة من استمراريته وغزارته وقدرته دائماً على تزويد الحضارات الإنسانية المختلفة بالطاقة اللازمة لإنشائها و صناعتها وتطويرها .
.