اللغة العربية هي أكثر اللغات تحدثا ضمن مجموعة اللغات السامية، وإحدى أكثر اللغات انتشارًا في العالم، يتحدثها أكثر من 422 مليون نسمة،[3]1 ويتوزع متحدثوها في الوطن العربي، بالإضافة إلى العديد من المناطق الأخرى المجاورة كالأحواز وتركيا وتشاد ومالي والسنغال وإرتيريا. اللغة العربية ذات أهمية قصوى لدى المسلمين، فهي لغة مقدسة (لغة القرآن)، ولا تتم الصلاة (وعبادات أخرى) في الإسلام إلا بإتقان بعض من كلماتها.[4][5] العربية هي أيضا لغة شعائرية رئيسية لدى عدد من الكنائس المسيحية في الوطن العربي، كما كتبت بها الكثير من أهم الأعمال الدينية والفكرية اليهودية في العصور الوسطى. وأثّر انتشار الإسلام، وتأسيسه دولاً، في ارتفاع مكانة اللغة العربية، وأصبحت لغة السياسة والعلم والأدب لقرون طويلة في الأراضي التي حكمها المسلمون، وأثرت العربية، تأثيرًا مباشرًا أو غير مباشر على كثير من اللغات الأخرى في العالم الإسلامي، كالتركية والفارسية والأمازيغية والكردية والأردوية والماليزية والإندونيسية والألبانية وبعض اللغات الإفريقية الأخرى مثل الهاوسا والسواحيلية، وبعض اللغات الأوروبية وخاصةً المتوسطية منها كالإسبانية والبرتغالية والمالطية والصقلية. كما أنها تُدرَّس بشكل رسمي أو غير رسمي في الدول الإسلامية والدول الإفريقية المحاذية للوطن العربي.
العربية لغة رسمية في كل دول الوطن العربي إضافة إلى كونها لغة رسمية في تشاد وإريتيريا وإسرائيل. وهي إحدى اللغات الرسمية الست في منظمة الأمم المتحدة.
واللغة العربية من أغزر اللغات من حيث المادة اللغوية، فعلى سبيل المثال، يحوي معجم لسان العرب لابن منظور من القرن الثالث عشر أكثر من 80 ألف مادة، بينما في اللغة الإنجليزية فإن قاموس صموئيل جونسون، وهو من أوائل من وضع قاموسًا إنجليزيًا، من القرن الثامن عشر،[6] يحتوي على 42 ألف كلمة.[7]
تحتوي العربية على 28 حرفًا مكتوبًا. ويرى بعض اللغويين أنه يجب إضافة حرف الهمزة إلى حروف العربية، ليصبح عدد الحروف 29. تكتب العربية من اليمين إلى اليسار - مثلها اللغة الفارسية والعبرية وعلى عكس الكثير من اللغات العالمية - ومن أعلى الصفحة إلى أسفلها.
]الأسماء
"لغة القرآن" بما أن القرآن باللغة العربية، فإنه تم إطلاق اسم اللغة عليه.
"لغة الضاد" هو الاسم الذي يُطلقه العرب على لغتهم، فالضاد للعرب خاصة ولا توجد في كلام العجم إلا في القليل.[8][9][10] ولذلك قيل في قول أَبي الطيب المتنبي:
وبِهِمْ فَخرُ كلِّ مَنْ نَطَقَ الضَّادَ وعَوْذُ الجاني وغَوْثُ الطَّريدِ
حيث ذهب به إلى أنها للعرب خاصة.[8]
غير أن الضاد المقصودة هنا ليست الضاد التي تستخدم اليوم في الفصحى التي هي عبارة عن دال مفخمة، أما الضاد العربية القديمة فكانت صوتا آخر مزيجا بين الظاء واللام، واندمج هذا الصوت مع الظاء في الجزيرة العربية. ولأن الظاء هي ذال مفخمة، أي أنها حرف ما - بين - أسناني، فقد تحولت بدورها في الحواضر إلى دال مفخمة كتحول الثاء إلى تاء والذال إلى دال، وصارت هذه الدال المفخمة هي الضاد الفصيحة الحديثة. فالدال المفخمة ليست خاصة بالعربية، بل هي في الواقع موجودة في لغات كثيرة. وهي ليست الضاد الأصلية التي كان يعنيها المتنبي وابن منظور صاحب لسان العرب وغيرهم.[11][12]
تصنيفها
تنتمي العربية إلى أسرة اللغات السامية المتفرعة من مجموعة اللغات الإفريقية الآسيوية. وتضم مجموعة اللغات السامية لغات حضارة الهلال الخصيب القديمة، مثل الأكادية والكنعانية والآرامية واللغات العربية الجنوبية وبعض لغات القرن الإفريقي كالأمهرية. وعلى وجه التحديد، يضع اللغويون اللغة العربية في المجموعة السامية الوسطى من اللغات السامية الغربية، فتكون بذلك اللغات السامية الشمالية الغربية (أي الآرامية والعبرية والكنعانية) هي أقرب اللغات السامية إلى العربية.
والعربية من أحدث هذه اللغات نشأة وتاريخا، ولكن يعتقد البعض أنها الأقرب إلى اللغة السامية الأم التي انبثقت منها اللغات السامية الأخرى، وذلك لاحتباس العرب في جزيرة العرب فلم تتعرض لما تعرضت له باقي اللغات السامية من اختلاط.[13] ولكن هناك من يخالف هذا الرأي بين علماء اللسانيات، حيث أن تغير اللغة هو عملية مستمرة عبر الزمن والانعزال الجغرافي قد يزيد من حدة هذا التغير حيث يبدأ نشوء أيّة لغة جديدة بنشوء لهجة جديدة في منطقة منعزلة جغرافيا. قد توافر للغة العربية عاملان، لم يتوافرا لغيرها من اللغات السامية؛ أولهما: أنها نشأت في أقدم موطن للساميين, وثانيهما: أنّ الموقع الجغرافي لهذا الموطن, قد ساعد على بقائها أطول فترة من الزمن, متمتعة باستقلالها وعزلتها, وكان من نتيجة هذين العاملين, أن تميّزت بخصائص كثيرة, تتّضح بجلاء في كل عنصر من عناصرها الثلاثة: الأصوات، والألفاظ، والأساليب على النحو الآتي:
تاريخها
نشأتها
مقال تفصيلي :تاريخ اللغة العربية
هنالك العديد من الآراء في أصل العربية لدى قدامى اللغويين العرب فيذهب البعض إلى أن يعرب كان أول من أعرب في لسانه وتكلم بهذا اللسان العربي فسميت اللغة باسمه، وورد في الحديث النبوي أن نبي الله إسماعيل بن إبراهيم أول من فُتق لسانه بالعربية المبينة وهو ابن أربع عشرة سنة بينما نَسِي لسان أبيه، أما البعض الآخر فيذهب إلى القول أن العربية كانت لغة آدم في الجنة،2 إلا أنه لا وجود لبراهين علمية أو أحاديث نبوية ثابتة ترجح أيًا من تلك الادعاءات.[14] ولو اعتمد المنهج العلمي لتبيَّن أن اللغة العربية دخلت أطر عديدة ويعتقد أنها إنبثقت من النبطية في القرن الميلادي الرابع، [15] ومسألة تصنيف اللغة العربية الفصحى مثار للجدل والاختلاف بين علماء اللغة مابين تصنيفها كسامية جنوبية أم سامية شمالية لا زال باقيا والحقيقة أنها مزيج من الإثنين،[16] ووجد عدد من الكتابات بالعربية الشمالية القديمة والتي تعد أقرب للفصحى من اللغة العربية الجنوبية التي كانت موجودة في جنوب شبه الجزيرة، وقد تنبه عدد من العلماء المسلمين لوجود أكثر من لغة عربية ولسان حتى قال أبو عمرو بن العلاء (770م): "ما لسان حمير بلساننا ولا عربيتهم بعربيتنا." والإشارة إلى حمير هي للدلالة على المناطق الجنوبية من شبه الجزيرة.
نقش النمارة، شاهد قبر امرئ القيس بن عمرو ملك الحيرة.3
وقد قام علماء الآثار بتصنيف النقوش العربية الشمالية القديمة المكتشفة حتى الآن إلى أربع مجموعات هي الحسائية (نسبة إلى منطقة الأحساء) والصفائية والديدانية والثمودية، والأخيرة لا علاقة لها بقبيلة ثمود وإنما هي تسمية اصطلاحية. وقد كتبت جميع هذه النقوش بالخط المسند (أي الخط الذي تكتب به لغات جنوب الجزيرة)، وأبرز ما يميز هذه اللهجات عن اللغة العربية استخدامها أداة التعريف "هـ" أو "هنـ"، ويعود تاريخ أقدمها إلى عدة قرون قبل الميلاد. أما أقدم النقوش باللغة العربية بطورها المعروف الآن فهما نقش عجل بن هفعم الذي عثر عليه في قرية الفاو (قرب السليل) في المملكة العربية السعودية، وقد كتب بالخط المسند ويعود إلى القرن الأول قبل الميلاد، ونقش عين عبدات في صحراء النقب، ويعود تاريخه إلى القرن الأول أو الثاني بعد الميلاد، وقد كتب بالحرف النبطي. ومن أشهر النقوش باللغة العربية نقش النمارة الذي اكتشف في الصحراء السورية، وهو نص مؤرخ بتاريخ 328م ومكتوب بنوع من الخط النبطي القريب من الخط العربي الحالي، وهو عبارة عن رسم لضريح ملك الحيرة امرئ القيس بن عمرو وصف فيه بأنه "ملك العرب".[17][18][19]
لم يعرف على وجه الدقة متى ظهرت كلمة العرب؛ وكذلك جميع المفردات المشتقة من الأصل المشتمل على أحرف العين والراء والباء، مثل كلمات: عربية وأعراب وغيرها، وأقدم نص أثري ورد فيه اسم العرب هو اللوح المسماري المنسوب للملك الآشوري شلمنصر الثالث في القرن التاسع قبل الميلاد، ذكر فيه انتصاره على تحالف ملوك آرام ضده بزعامة ملك دمشق، وأنه غنم ألف جمل من جنديبو من بلاد العرب، ويذكر البعض - من علماء اللغات[20] - أن كلمة عرب وجدت في بعض القصص والأوصاف اليونانية والفارسية وكان يقصد بها أعراب الجزيرة العربية، ولم يكن هناك لغة عربية معينة، لكن جميع اللغات التي تكلمت بها القبائل والأقوام التي كانت تسكن الجزيرة العربية سميت لغات عربية نسبة إلى الجزيرة العربية.
اللغة العربية من اللغات السامية التي شهدت تطورًا كبيرًا وتغيرًا في مراحلها الداخلية، وللقرآن فضل عظيم على اللغة العربية حيث بسببه أصبحت هذه اللغة الفرع الوحيد من اللغات السامية الذي حافظ على توهجه وعالميته؛ في حين اندثرت معظم اللغات السامية، وما بقي منها عدا لغات محلية ذات نطاق ضيق مثل: العبرية والأمهرية (لغة أهل الحبشة، أي ما يعرف اليوم بإثيوبيا)، واللغة العربية يتكلم بها الآن قرابة 422 مليون نسمة كلغة أم، كما يتحدث بها من المسلمين غير العرب قرابة العدد نفسه كلغة ثانية.
انتشار اللغات الساميّة حوالي القرن الأول الميلادي.
فصل اللغويون اللغة العربية إلى ثلاثة أصناف رئيسية، وهي: التقليدي أو العربي القياسي، والرسمي، والمنطوقة أو لغة عربية عامية. بين الثلاثة، العربي التقليدي هو الشكل للغة العربية الذي يوجد بشكل حرفي في القرآن، من ذلك اسم الصنف. العربية القرآنية استعملت فقط في المؤسسات الدينية وأحيانا في التعليم، لكن لم تتكلّم عموماً. العربية القياسية من الناحية الأخرى هي اللغة الرسمية في الوطن العربي وهي مستعملة في الأدب غير الديني، مثل مؤسسات، عربي عامي "اللغة العاميّة"، يتكلّمها أغلبية الناس كلهجتهم اليومية. العربية العامية مختلفة من منطقة إلى منطقة، تقريبا مثل أيّة لهجة مماثلة لأيّة لغة أخرى.
انحدارها من اللغات السامية
يقول البعض إن اللغة العربية هي أقرب اللغات السامية إلى "اللغة السامية الأم"، وقد أصبحت هذه النظرية هي أكثر النظريات قبولا لدى الباحثين. وذلك لأنها احتفظت بعناصر قديمة تعود إلى اللغة السامية الأم أكثر من أي لغة سامية أخرى. ففيها أصوات ليست موجودة في أيّ من اللغات السامية الأخرى، بالإضافة إلى وجود نظام الإعراب والعديد من الصيغ لجموع التكسير والعديد من الظواهر اللغوية الأخرى التي كانت موجودة في اللغة السامية الأم.[21] وتُعد اللغة العربية "العدنانيّة"، أو "الشمالية"، أقرب اللغات إلى الأصل الذي تفرّعت منه اللغات الساميّة، لأن عرب الشمال لم يمتزجوا كثيرًا بغيرهم من الأمم، ولم تخضعهم أمم أخرى لحكمهم كما كان الشأن في كثير من الأمم السابقة الأخرى كالعبرانيين والبابليين والآشوريين، فحفظتهم الصحراء من غزو الأعداء وحكم الأمم الأجنبية، كما حفظت لغتهم من أن تتأثر تأثرًا كبيرًا بغيرهم.[22]
كذلك فإن العربية هي أكثر اللغات السامية احتفاظًا بسمات السامية الأولى فقد احتفظت بمعظم أصوات اللغة السامية وخصائصها النحوية والصرفية،[23] فقد احتفظت بأصوات فقدتها بعض اللغات مثل: غ، ح، خ، ض، ظ، ث، ذ. ولا ينافسها في هذه المحافظة إلا العربية الجنوبية، واحتفظت أيضًا بعلامات الإعراب بينما فقدتها اللغات السامية الأخرى، وبمعظم الصيغ الاشتقاقية للسامية الأم: اسم الفاعل، المفعول، وتصريف الضمائر مع الأسماء والأفعال: بيتي، بيتك، بيته، رأيته، رآني. واحتفظت العربية بمعظم الصيغ الأصلية للضمائر وأسماء الإشارة والأسماء الموصولة. وبما أن معجم العربية الفصحى يُعتبر ثروة لفظية ضخمة لا يعادلها أي معجم سامي آخر، فإنها أصبحت عونًا لعلماء الساميات في إجراء المقارنات اللغوية أو قراءة النصوص السامية القديمة كنصوص الآثار الأكادية والفينيقية والأوغاريتية وحتى نصوص التوراة العبرية.[24]
توحيد اللهجات العربية
مقال تفصيلي :لغة عربية فصحى
يدل ما تبقى من الشعر الجاهلي حتى الوقت الحاضر، أن القبائل العربية الشمالية اصطلحت فيما بينها على لهجة أدبية فصحى عمد الشعراء على مختلف قبائلهم إلى نظم شعرهم بها،[25] فارتفعوا بذلك عن لهجة قبائلهم إلى هذه اللهجة الأدبيّة العامّة، ومن ثمّ احتفظت الخصائص التي تميزت بها كل قبيلة في لهجتها فلم تدخل في شعر شعرائها إلا قليلاً جدًا. وهكذا فإن اللهجة العربية الفصحى، التي انتهت بلغة القرآن والحديث والشعر المأثور عن الجاهلية، وكُل ما رُوي من النثر عن الجاهليين والإسلاميين الأوائل؛ هي الشكل اللغوي الذي انصهرت وتوحدت فيه لهجات عرب الشمال وبعض لهجات عرب الجنوب، وهي لهجة قريش، وإن الظروف التاريخية التي دفعت مكة للوصول إلى ما تمتعت به من مكانة خاصة وفاعلة في مجالات النشاط التجاري والاقتصادي والاجتماعي والديني، هي نفسها التي دفعت لهجة قريش لتتبوأ مكان الصدارة، وقد شكّلت نقطة جذب تلاقت عندها سائر اللهجات العربية الشمالية بخاصة وانفعلت بها.[25]
مكة: ملتقى العرب في الجاهلية، حيث أدّت هيمنة قريش عليها وأهميتها الدينية، إلى المساهمة في توحيد اللهجات العربية.
وكانت مكة مركز استقطاب قلوب العرب في الجاهلية ولها عليهم نفوذ واسع بسبب أهميتها الدينية الروحية والاقتصادية المادية، إذ كان المكيّون سدنة الكعبة، وهي بيت عبادتهم، وكانت قوافلهم تجوب أنحاء شبه الجزيرة العربية، ويجتمع العرب إليهم في أعيادهم الدينية ومواسمهم الأدبية والتجارية،[25] وكانوا يقيمون الأسواق في أشهر السنة للبياعات والتَسوُق وينتقلون من بعضها إلى بعض، فتدعوهم طبيعة الاجتماع إلى المقارضة بالقول، والمفاوضة في الرأي، والمبادهة بالشعر، والمباهاة بالفصاحة، والمفاخرة بالمحامد وشرف الأصل فكان من ذلك للعرب معونة على توحيد اللسان والعادة والدين والخلق، إذ كان الشاعر أو الخطيب إنما يتوخى الألفاظ العامة والأساليب الشائعة قصدًا إلى إفهام سامعيهن وطمعًا في تكثير مشايعيه. والرواة من ورائه يطيرون شعره هم القبائل وينشرونه في الأنحاء فتنتشر معه لهجته وطريقته وفكرته.[26]
وتداخلت في هذا الوضع الديني والاقتصادي المتميز، أسباب سياسية، ذلك أن القبائل العربية الضاربة على أطراف شبه الجزيرة العربية كانت تتعرض لضغط الدول المجاورة من الفرس والروم والأحباش، بالإضافة إلى انتشار الديانتين اليهودية والمسيحية؛ ما جعل العرب يُدركون أنهم بحاجة ملحة إلى التعاون والارتباط لدفع العدو والوقوف في وجه الديانتين اللتين تغزوان دينهم الوثني، فالتفوا حول مكة موطن كعبتهم وحجهم.[25] وبهذا كله استطاعت قريش أن تفرض لهجتها على العرب وأن تقضي على الخلل الذي يُساور الألسنة، بحيث أصبحت اللغة الأدبية التي يصوغون بها أدعيتهم الدينية وأفكارهم وأحاسيسهم بكونها لغة التعبير الفني في الشعر والخطابة والحِكم، وبكونها أيضًا لغة التعامل المشترك بين مختلف القبائل. ولعلّ من أقوى الدلائل على سيادة اللهجة القرشيّة وانتشارها الواسع تلك الوفود التي كانت تفد إلى الرسول محمد من الغرب والشرق في اليمامة والبحرين، فتأخذ عنه وتتفاهم معه من دون صعوبة، وفي المقابل كان الرسول يُرسل إليهم الدعاة يعظونهم ويُعلمونهم مبادئ الشريعة الإسلامية.[25]
عصر الازدهار
طالع أيضًا :العصر الذهبي للإسلام
كتاب "القانون في الطب" لابن سينا، الطبيب ذي الجذور الفارسية، دوّنها باللغة العربية.
الصفحة الأولى من كتاب الكندي تتضمن وصفًا للتحليل الشفرات والتحليل المتكرر باللغة العربية.
كان للفتوحات الإسلامية بعد وفاة النبي محمد كبير الأثر في نشر اللغة العربية في أصقاع مختلفة خارج شبه الجزيرة العربية، فبعد أن اعتنق كثير من السريان والأقباط والروم والأمازيغ والآشوريين الدين الإسلامي، أصبحوا عربًا باللغة كذلك الأمر، لسببين رئيسيين، منها أن اللغة الجديدة كانت لغة الدين حديث النشأة، وهي لغة مصدر التشريع الأساسي في الإسلام (القرآن، والأحاديث النبوية)، ولأن الصلاة وبعض العبادات أخرى، لا تتم إلا بإتقان بعض كلمات من هذه اللغة، وأيضًا لتعريب دواوين الأمصار حديثة الفتح، في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، وهكذا أصبحت العربية لغة السياسة والإدارة بعد أن نُقلت إليها المصطلحات الفنيّة في الإدارة والحساب.[27] وعلى الرغم من أن كثير من الأمم الأعجمية بقيت على هويتها ولم تتقبل الهوية العربية، مثل قسم كبير من الأمازيغ والترك والكرد والفرس وبعض الآشوريين والسريان، فإنها تلقنت اللغة العربية وتكلمتها بطلاقة إلى جانب لغتها الأم، وذلك لأن بعضها اعتنق الإسلام مثل الأكراد والفرس والأتراك، وحتى الذين بقوا على الدين المسيحي أو اليهودي أو المندائي الصابئي، تكلموا العربية كلغة رئيسية إلى جانب لغتهم الأم، بعد أن أصبحت لغة العلم والأدب خلال العصر الذهبي للدولة الإسلامية، تحت ظل الخلافة العباسيّة، بل أن تلك الشعوب اقتبست الأبجدية العربية في كتابة لغتها.[28] ومع مرور الوقت أصبحت اللغة العربية لغة الشعائر لعدد كبير من الكنائس المسيحية في الوطن العربي، مثل كنائس الروم الأرثوذكس، والروم الكاثوليك، والسريان، كما كتبت بها الكثير من الأعمال الدينية والفكرية اليهودية في العصور الوسطى.
ساهم عدد من الأعاجم في تطوير اللغة العربية ومصطلحاتها خلال العصرين الأموي والعباسي بفضل ما نقلوه إلى العربية من علوم مترجمة عن لغتهم الأم، فبرز في العربية كلمات ومصطلحات جديدة لم تكن معهودة من قبل، مثل "بيمارستان"، المأخوذة من الفارسية، وخلال العصر الذهبي بلغت اللغة العربية أقصى درجات الازدهار، حيث عبّر الأدباء والشعراء والعلماء العرب والعجم عن أفكارهم بهذه اللغة، فكُتبت آلاف المجلدات والمؤلفات والمخطوطات حول مختلف المواضيع بلسان العرب.[28] وكان من أهمية اللغة العربية في المجال العلمي والثقافي، أن اقتبست بعض اللغات الأوروبيّة كلمات منها أثناء العهد الصليبي في المشرق، أو عن طريق التثاقف والاختلاط مع عرب الأندلس، ومن أبرز اللغات التي تأثرت بالعربية: الإنكليزية والفرنسية والإسبانية والإيطالية والألمانية.
عهد الركود
خلال القرن الثالث عشر اجتاح الشرق العربي المغول بقيادة هولاكو خان، فأمعنوا في معالم الثقافة والحضارة تدميرًا وتخريبًا، الأمر الذي ترك المسلمين في حال تصفها المستشرقة كارين آرمسترونغ باليتم، ففقهاء وعلماء العصر المملوكي لم يكونوا مهتمين بتطوير الفتاوي والاجتهادات الفقهية والعلوم المختلفة بقدر ما كانوا مهتمين بإعادة تجميع ما قد ضاع وفقد منها،[29] لكن على الرغم من ذلك فإن اللغة العربية استمرت لغة مهمة في البلدان الإسلامية، إلا أنها أخذت بالانحسار في شبه الجزيرة الأيبيرية مع قيام الإسبان باسترجاع البلاد شيءًا فشيئًا وقتل أو نفي سكانها من المسلمين، كذلك فقد أخذت أهميتها العلمية تتراجع بعد ركود الاكتشافات العلمية العربية، وبدء انتقال شعلة الحضارة إلى أوروبا.
بالمقابل أخذت اللغة العربية تجد موطئ قدم لها، كلغة دين بشكل أساسي، في الأناضول وبلاد البلقان بفضل الفتوحات العثمانية في تلك النواحي، واعتناق عدد من السكان للإسلام، ومن أبرز الأدلّة على انتشار اللغة العربية في تلك الأصقاع الحجة المؤسسة لمدينة سراييفو في سنة 1462، والتي كُتبت باللغة العربية بعد أن خضعت للحكم العثماني.[30] أصبحت اللغة العربية اللغة الرسمية الثانية في الدولة الإسلامية عند انتقال الخلافة إلى بني عثمان، وبحلول القرن السادس عشر كانت اللغة العربية قد استحالت لغة الدين الإسلامي فقط، وقلّت أهميتها بالنسبة للعلوم والآداب، إذ أن العهد العثماني لا يتسم بمنجزات علمية أو ثقافية ذات شأن، كما كان الحال في العهد العبّاسي، وخلال هذا العهد أخذت مسافة الخلف تتسع بين اللهجات العربية حتى أصبح بعضها غريبًا عن بعض في النطق والتعبير.