الميتافيزيقا هي "العلم الذي يدرس الأسس الأولى أو المبادئ الأولى التي تقوم عليها المعرفة الإنسانية، وهذه الأسس هي أسس أنطولوجية (مفهوم الوجود) وكوزمولوجية (مفهوم الكون) ونفسية ولاهوتية"[1].يرجع أصل الكلمة إلى الإغريقي (Meta) الذي يعني "ما وراء أو بعد" وكلمة "Physika" وتعني "الطبيعة". وتشير الكلمة إلى العلوم المختلفة عن الطبيعة والمادة في كتابات أرسطو في العصور القديمة. وكان المقصود بكلمة "Meta" الإشارة إلى الفصول التي تلي مادياً الفصول التي كتبها في الفيزياء في المجموعة المحررة بعد وفاته. حتى أن أرسطو نفسه لم يطلق لفظ الميتافيزيقا على هذه الأعمال. بل أن أرسطو قد أطلق لفظاً مغايراً لهذه الأعمال وهو "الفلسفة الأولى". ومن هنا كانت الكلمة لا تشير إلى التصنيف بل إلي الترتيب، كما أنها تدل على الطابع الفلسفي الذي احتوت عليه هذه المؤلفات مما أوجد الخلط بين الفلسفة والميتافيزيقا.
الميتافيزيقا هي فرع من فروع الفلسفة التي تبحث في المبادئ الأولية للعالم، وحقيقة العلوم. وتنقسم اهتمامات الميتافيزيقا إلى دراسة طبيعة الوجود، وتفسير الظواهر الأساسية في الطبيعة، ومستويات الوجود، وأنواع الكيانات الموجودة في العالم والعلاقة بينها. كما تختص بدراسة الكون ونشأته ومكوناته. هذا بالإضافة إلى دراسة التصورات التي يتمثل بها الإنسان رؤيته للكون بما فيه الوجود، الزمان والمكان، قانون العلة، الاحتمالات. وأشارت كلمة فلسفة لا إلى الميتافيزيقا وإنما إلى علم المنطق والأخلاق و الفيزياء والتي صنفها الرواقيون على أنها مجموع العلوم الفلسفية. وقد أطلق أرسطو لفظاً مغايراً للميتافيزيقا والفلسفة معاً ألا وهو الفلسفة الأولى ومن هنا نبع السؤال : هل الفلسفة ميتافيزيقا أم أنها فلسفة أولى تقوم على دراسة الموجود بوصفه موجود كما تقوم على دراسة المنطق الأكثر ارتفاعاً أو علواً عما هو موجود. إن الميتافيزيقا تتداخل بشدة مع كل فرع من فروع البحث الفلسفي، كما أنها تهتم بدراسة أسئلة فلسفية تتعلق بالطبيعة والبنية العامة للعالم الذي نعيش فيه، فعندما نتناول مشكلات في فلسفة علم النفس، أو فلسفة الرياضيات، أو فلسفة الدين، سرعان ما نواجه حتماً قضايا وتساؤلات ميتافيزيقية.
إن التأمل المسمى بالميتافيزيقى ليس في الحقيقة سوى أصفى شكل من الميل إلى الوحدة وسد الثغرات الموجودة في لوحة الكون والبحث عن تفسير موحد عن العالم خارج نطاق العلم وهذا ما أشار إليه الأمريكي و.جامس بقوله : "ليست الميتافيزيقا سوى مسعى بالغ التصلب والعناد للتفكير بصورة واضحة ومتماسكة. كما أنها تعني طريقة خاصة في التفكير الفلسفي لتجاوز استنتاجات العلوم في القيمة والمدى".
ومن هنا نرى أن الميتافيزيقا مصطلح يشير إلى المعرفة الأساسية بالموجود بوصفه موجوداً في كليته، كما أنها تبحث في الفكر والوجود والمطلق بالإضافة إلى اهتمامها بالنواحي الخارجة عن إطار الحس والمشاهدة المادية والتي لها القدرة على ترك بصماتها على الثقافة المجتمعية وخلق مفاهيم ومعتقدات تؤثر على العادات والأعراف السائدة للمجتمعات. وترتبط الميتافيزيقا بالذاكرة الجماعية للشعوب من خلال الأديان والأنظمة العقائدية. والأساطير المقدسة والوقائع التي حدثت في الماضي السحيق في زمن البدايات وغالباً ما تحكي واقعاً أو خيالاً، وهي تفرض نفسها على معتنقيها من خلال نسق كامل من المعتقدات يتم توارثه عبر الأجيال بطريقين الأول بشكل إرادي واع نتيجة للتأثير الذي يمارسه كل جيل على أفراده بواسطة التعليم والتربية والثاني بشكل تلقائي لا إرادي ولا واع وهو ما أسماه محمد حسين دكروب الذاكرة الجماعية والتي يؤكد أنها هي الأساس الرابط للمجتمع فهي تعمل على تحديد مجمل البنى التشكيلية كأنساق ثقافية لا واعية تعطي دلالة ومعنى لما هو أسطوري أو تاريخي أو واقع في حياة الشعوب. إنها تعطي القواعد المنظمة للعلاقات الاجتماعية والثقافية بشكل معين مستمد مما تختزنه الذاكرة الجماعية من ماضيها السحيق من بنية وجودها التاريخية اللاواعية.
أصل الميتافيزيقا عبر العصور المختلفة:
كانت الميتافيزيقا هي الجزء الرئيسي للدراسات الأكاديمية والمدرسية حتى قبل عهد أرسطو. كما اعتبرت "ملكة العلوم" حيث أنها لا تقل أهمية عن العلوم الفيزيقية كالطب، والرياضيات، والشعر، والموسيقى.
الفلسفه و الميتافيزيقا:
طاليس و بارمينيدس
أول من عرف كميتافيزيقي تبعاً لتعريفات أرسطو كان طاليس الذي عرف بمفهومه الأصل أو المصدر "المبدأ الأول" والذي أرجع أصل الكون إلى عنصر "الرطوبة" الذي ترجم فيما بعد "بالماء". كما ظهرت فكرة المبدأ الأول في أفكار بعض الفلاسفة أمثال أنكسيماندر وأنكسيمينس. وقد أشار طاليس بأن الكون له تكويناً وتركيباً متناغماً ومتسقاً، كما أنه يخضع للفهم العقلي. وقد رأى بارمنيدس الأيلي أن فكرة تعدد الأشياء الموجودة وتغير أشكالها وحركاتها ما هي إلا مظهر لحقيقة واحدة أبدية "الوجود" الذي أدى إلى ظهور مبدأ بارمينيدس "الكل واحد" الذي ظهر من قبل في الفلسفات الهندية. من خلال هذه النظرة للوجود فقد ذهب إلى أن كل الادعاءات للتغير أو بعدم الوجود غير منطقية. ويعتبر بارمينيدس أحد أهم مؤسسي الميتافيزيقا. تمثل الميتافيزيقا لب الفلسفة. وقد اتخذت دراسة الواقع موضوعاً لها، من حيث طابعه الأساسي ونظامه وما يدور فيه. وبدت الميتافيزيقا في نظر أرسطو دراسة مفردة شاملة لما هو أساس في الوجود برمته. وقام أرسطو بتصنيف جميع الأشياء وإدراجها تحت مقولات كالجوهر والكيف والمقدار. فلقد أراد أرسطو فهم الطبيعة الأساسية للواقع وحقائقه القصوى والمبادئ الأولى والماهية الكامنة.
تختص بدراسة المبادئ الأولى التي اعتمدها أرسطو كأساس لكل الاستفهامات والتساؤلات حول الكون، كما تتعامل مع العالم بصورة كلية وتدرس "الظواهر" و"الفراغ" و"الزمن". وظهرت هذه الرؤية عبر التاريخ في الأساطير والأديان وفيما وراء العلوم الفيزيقية، واستخدمت المناهج الفلسفية للوصول إلى تصور لطبيعة الكون من خلال دراسة بعض الأطروحات كالسببية، الجوهر، الأنواع والعناصر، المادة.
يقول كارل ساجان مؤلف كتاب الكون : "إن الكون هو كل ما هو موجود وما وجد وما سيوجد، وأن أبسط تأمل في الكون يحرك مشاعرنا ويخفت بداخلنا الصوت ويسيطر علينا إحساس بالدوار كما لو نتذكر أشياء بعيدة أو نسقط من ارتفاع ما، فنحن نعلم أننا نقترب من أعظم الأسرار". يطرح مجتمع كل حضارة سؤالاً هو: من أين البداية ؟ وهو النواة التي يدور حولها محور علم الكونيات Cosmology وهو امتداد لسؤال أقدم وأهم هو عن أصل الذات Ego أو من أين أتيت ؟ وهو ما سبب الاضطراب أمام عقلية الجنس البشري منذ الأزل، قدم مجتمع كل حضارة تفسيره عن أصل الكون وخلق العالم، سميت هذه التفسيرات بنظريات الخلق Theories of Creation، منها من ذهب بأن منظومة الخلق (الكون، الأرض، الحياة، الإنسان) حدثت بفعل تدخل علوي، أو بفعل خلق مباشر من العدم Ex-nihilo، أو كما تطرح الرؤى الإغريقية إنها انبثاق لهذا النظام من فوضى Choas بينما تتفق جميع الأديان السماوية على معتقد مشترك يفيد بأن هذه المنظومة نشأت نتيجة تدخل وإبداع إلهي علوي من قبل ذات فوق طبيعية تدعى يهوه أو إلوهيم أو الرب أو الله، والمؤمنون بهذه النظرية من معتنقي الأديان السماوية لا يجدون تعارضاً بينها وبين الحقائق العلمية، تتباين هذه النظرية الدينية مع نظرة أخرى تفسر الأمور والظواهر في سياق العلم تدعى (تحكم الطبيعة) حيث تنظر للأمور في إطار مادي إلحادي دون أي اعتبار لوجود ديني أو روحاني، تعد أشهر نماذج نظريات ورؤى الخلق والتكوين هي : الخلق بواسطة كائن علوي أو من خلال الانبثاق من الأرض أو بواسطة والدي العالم أو من البيضة الكونية أو من العدم أو بواسطة غواصي الأرض أو نتيجة حرب الآلهة.
الأنطولوجيا Ontology
وتختص بدراسة طبيعة الوجود (Being)، (Existence) أو الحقيقة بشكل عام, بالإضافة إلى تعريفات وتصنيفات لمستويات الوجود الأساسية وعلاقاتها المختلفة، بالإضافة إلي تعريفات مثل الكينونة (Entity)، وغيرها من التعريفات، سواءً كانت فيزيقية أو عقلية، وطبيعة خواصها، وطبيعة تغيرها وقد اعتاد المفكرون تصنيفها كفرع رئيسي من فروع الفلسفة المعروفة بالميتافيزيقا.
تناقش الانطولوجيا الأسئلة الخاصة بالكينونات الموجودة، والتي يمكن أن توجد، وطرق تصنيفها بناء علي التدرج الحجمي أو التشابه والاختلاف.
الانطولوجيا هي الاستفهام عن الوجود بوصفه إلي أي حد كونه موجود أو عن الوجود بصفه عامة. كما أنها تسعي للتعرف علي الحقائق المحددة المستمدة من أشياء بعينها أو التعرف علي العلاقات المرتبطة بهذه الأشياء, وبتحديد أكثر فالانطولوجيا تختص بتحديد ما إذا كان بعض مستويات الوجود أساسية، والسؤال عن أي عناصر هذه المستويات بوصفه موجوداً.
إن كلمة الوجود نفسهاExistence مشتقة من الكلمة اللاتينية Existere التي تعني الخروج من شيء ما بمعنى الخروج من الحالة التي يتواجد عليها الشيء ليضع نفسه حيث لم يكن من قبل. الوجود في الفلسفة هو موضوع لدراسة الميتافيزيقا وبشكل أدق الأنطولوجيا ويمكن أن يفهم الوجود أنه عكس اللاوجود. وعلى سبيل المثال أن الشخص يمكن أن يسأل لماذا يوجد شيء بدلاً من اللاشيء ؟ حيث أن الشيء يدل على الوجود بصورة غير مباشرة, وما يهم الميتافيزيقيون بشكل رئيسي ليس السؤال العلمي الخاص بكيفية عمل الكون، ولكن كيف يتمثل الكون. ويجب علينا ألا نخلط بين مقولة الوجود العقلي والوجود المادي، حيث أن الوجود العقلي هو الفكر الخالص أو العدم، أما الوجود المادي فهو مقولة تدل على شيء يعتبر جزء من الكون له علاقة بجميع الأشياء الأخرى الموجودة، وهو يشكل جزءاً من نظام أو شبكة العلاقات التي نسميها الكون، فالوجود المادي ليس الوجود فحسب وإنما هو الوجود المدعوم بالأساس، لأن كل موجود له أساس في موجود آخر، فهو بدوره مدعوم بوجود ثالث. وهكذا نجد أن الوجود المادي شيء أكثر تعقيداً وعمقاً باعتباره فكرة غنية مركبة يظهر متأخراً في سير الجدل عن الوجود المجرد.