نسمع بين الفينة والأخرى أحد المهتمين بالعلوم يُشير إلى درجة حرارة ما فيقول أنها كذا درجة حرارة مطلقة أو أنها فوق الصفر المطلق بكذا درجة .
فما هي درجة الحرارة المطلقة ؟ وما هو هذا الصفر المطلق ؟ وما معنى كونه مطلقاً ؟
باديء ذي بدء ينبغي أن نوضح هنا أن الترمومترات الحرارية تحتاج إلى تدريج ومقياس معين يُحدد مدىً من الأرقام للتعبير عن درجات الحرارة والمقياس الأكثر شيوعاً في أنحاء العالم اليوم هو [ المقياس المئوي ] فنقول أن درجة حرارة الغرفة هي 25 ْ م لكن السؤال هنا عن أساس المقياس وكيف تم تحديد تدريجه ؟
أن أي مقياس لقياس درجة الحراة وتحديد تدريجه يعتمدان على إختيار نقطتين ثابتتين يكون من السهل الحصول عليها علمياً ، وفي حالة المقياس المئوي تم إختيار درجة حرارة ذوبان الجليد النقي عند الضغط الجوي المعياري لتكون الصفر المئوي ، أما النقطة الثانية الثابتة لهذا المقياس هي درجة حرارة غليان الماء النقي عند الضغط الجوي المعياري واتُّفق على أن يكون مقدار درجة الحرارة هذه هو 100 ْ م وعلى هذا الأساس تم تقسيم المدى بين هاتين النقطتين الثابتتين إلى مائة جزء متساوي لنحصل على التدريج المئوي ، ويُعرف كل جزء من تلك الأجزاء المتساوية بالدرجة المئوية ( ْ م ) .
ونعود الآن لنسأل : وماذا عن الصفر المطلق ؟
إن قصة هذا الموضوع ترجع إلى عام 1787 م عندما لاحظ الفيزيائي الفرنسي جاك تشارل : أنه عند تبريد غاز ما تحت ضغط ثابت فإن حجمه ينقص مع كل درجة مئوية بمقدار 1 / 273 من حجمه عند الصفر المئوي والعكس .حيث يزداد حجم الغازات عند تسخينها تحت ضغط ثابت بمقدار 1 / 273 من حجمها عند الصفر المئوي وذلك لكل درجة مئوية .
ويتضح من قانون تشارل أن انكماش حجم الغاز يستمر مع انخفاض درجة حرارته حتى تبلغ درجة الحرارة 273 ْ م تحت الصفر المئوي إذ أنه من المفروض وفقاً لقانون تشارل أن يُصبح حجم الغاز في هذه الحالة صفراً .
إلاّ أن هذا الاستنتاج أدى إلى معضلة منطقية : فانكماش المادة إلى الصفر واختفاؤها أمر لا يمكن قبوله علمياً ، ولقد كان حل هذه المعضلة على يد [ النظرية الذرية ] للمادة عندما أصبح معروفاً أن الغاز يتكون من مجموعة من الجزيئات ولكل جزيء طاقة حركية معينة فعند ارتفاع درجة الحرارة تزداد طاقة الجزيئات مما يؤدي إلى زيادة سرعتها وبالتالي زيادة الحجم الذي تحتله هذه الجزيئات . أما عند انخفاض درجة الحرارة فإن طاقة الجزيئات تتنخفض مما يؤدي إلى انخفاض سرعتها وينتج عن ذلك انكماش في حجم الحيز الذي تحتله هذه الجزيئات .
وتأسيساً على هذا التفسير الجزيئي إقترح الفيزيائي البريطاني [ اللورد كلفن ] أن متوسط الطاقة الحركية للجزيء هو الذي ينخفض عند التبريد بمقدار 1 / 273 لكل درجة مئوية ، وبالتالي فإن الطاقة الحركية للجزيئات هي التي تبلغ الصفر عند - 273 ْ م وليس الحجم كما اعتقد تشارل .
ونعلم من الفيزياء الحديثة أن هناك قوانين تحكم سلوك الجزيئات والذرات وتمنعها من التوقف عن الحركة حتى عند انعدام الحرارة عند - 273 ْ م ، إلاّ أنه من الواضح أن - 273 ْ م هي درجة الحرارة التي تكون عندها طاقة الجزيئات هي أقل طاقة ممكنة مما أدى إلى إطلاق اسم الصفر المطلق على - 273 ْ م .
وتم في ضوء ذلك إحداث المقياس المطلق الذي يكون صفره هو الصفر المطلق .
مقارنـــــــــــــــــة بين المقيـــــــاس المئوي والمقياس المطلق
يختلف المقياس المئوي في موقع الصفر ، أما التحويل من المقياس المطلق إلى المقياس المئوي فهو أمر يسير ويتم بإضافة 273 درجة إلى درجة الحرارة المئوية .
وتجدر الإشارة هنا أن المقياس المطلق هو المقياس المستخدم في الأبحاث العلمية وعند التعامل مع درجات الحرارة المنخفضة جداً ، ويُطلق على هذا المقياس أحياناً اسم " مقياس كلفن " تكريماً للورد كلفن الذي أسهم في إيضاح المعاني الفيزيائية المرتبطة بمفهوم الصفر المطلق .
محمد تيم
التاسع "ه"