آيات قرآنية مع تفسير لها قديما وحديثا عن نشأة الكون
قال الله تعالى في سورة فصلت آية - 11:(ثم استوى إلى السماء وهى دخان فقال لها وللارض إثنيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين، فقضاهن سبع سماوات في يومين) تفسير علماء الدين: ثم عمد سبحانه إلى خلق السماء وهى على هيئة دخان فوجدت، ثم إن خلقه للسماوات والارض - على وفق إرادته - هين عليه بمنزلة ما يقال للشئ احضر - راضيا أو كارها فيطيع وأتم خلق السماوات سبعا في يومين أخرين.
النظرة العلمية: يقول العلم إن للقصود بكلمه دخان في الآية السديم وهو السحب الكونية أو المجرات التى نشأت فيها السماء والارض، والسماوات السبع التى يرد ذكرها في كثير من الآيات هى على أرجح الاقوال الكواكب السبع السيارة المعروفة، وأن اليومين المذكورين في الاية هما في رأى الجيولوجيا الزمنين الذين استغرق كل منهما ملايين السنين لتكوين هذه السماوات، وأحد هذين الزمنين انقضى وقت أن كانت الارض مرتوفة أى متصلد بالسديم، والآخر بعد أن انفتقت الارض أى انفصلت عن السديم، وإليك وصفا علميا للمجرات.
المجرات(الصدم) المجرات جمع مجرة وهى كما يفسرها العلم سحابة ضخمة من غازات ومواد صلبة وعناصر أخرى مختلفة تتحرك بسرعة داخلها، وهى تتجاذب فيما بينها،
[60]
وقد أطلق عليها علماء الفلك من العرب اسم المجرة لانها تشبه النهر الجارى، وقوام الكون المرئى يربو حتى الآن على ألف مليون مجرة تظهر على الالواح الفوتوغرافية التى يستخدمها العلماء لتصويرها، أما الكون غير المرئى فلا يعلمه إلا الله الذى وسع كرسيه السماوات والارض ولا يؤده حفظهما وهو العلى العظيم وتتباعدا المجرات بعضها عن بعض بسرعة هائلة فيتسع تبعا لذلك حجم الكون وتتولد فيه مجرات جديدة من الغازات الكونية بنفس الطريقة التى تكونت بها المجرات القديمة وهذا ما يطلق عليه العلماء نظرية تمدد الكون مصداقا لقوله تعالى
والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون) والكرة الارضية موجودة في إحدى هذه المجرات المعروفة باسم طريق التبانة لانها تشبهه منظر التبن عندما يتبعثر على الطريق، والكرة الارضية هى إحدى أقراد المجموعة الشمسية التى سيأتى الكلام عنها فيما بعد.
معنى السماء
ترد كلمة السماء والسماوات مرارا وتكرارا في القرآن، وإليك بيانا وتعريفا علميا عنها: يفسر العلم السماء بأنها الكرة الكونية الجامعة لكل الافلاك والنجوم في مجرتنا أى حدود عالمنا المادى، وهذا يوافق تفسير الامام محمد عبده إذ يقول: السماء إسم لما علاك وارتفع فوق رأسك، وأنت إنما تتصور عند سماعك لفظ اسماء هذا الكون الذى فوقك، وفيه الشمس والقمر وسائر الكواكب تجرى في مسالكها وتتحرك في مداراتها، وهذا هو السماء، وقد بناه الله أى رفعه وجعل كل كوكل منه لبنة من بناء سقف فيه أو جدران تحيط به، وقد تجاذبت هذه الكواكب السيارة بعضها إلى بعض برباط الجاذبية العامة كما تربط أجزاء البناء
[61]
الواحد بما يوضع بينها من مواد تتماسك بها.
ومما تجدر الاشارة إليه أن السماء تدل على الفراغ اللانهائى في الكون والذى لا يمكن أن يكون خلوا لا يشغله شئ بل يملاه وسط غير مادى اسمه الاثير وفي هذا الوسط غير المادى تنتقل الطاقات غير المادية مثل موجات اللاسلكى أو الراديو والرادار والضوء والحرارة، ويطلق على هذه الطاقات اسم أمواج الاثير.
وقال تعالى في سورة الانبياء آية - 30:(أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والارض كانتا رتقا ففتقناهما).
تفسير علماء الدين: أو لم يعلم الذين كفروا بمحمد عليه السلام وبالقرآن أن السماوات والارض كانتا رتقا لم تنزل منها قطرة من مطر، ولم ينبت على الارض شئ من النبات ملتزقا بعضها على بعض ففرقناهما عن بعض بالمطر والنبات؟ ويقول تفسير آخر: أعمى الذين كفروا ولم يبصروا أن السماوات والارض كنتا في بدء خلقهما ملتصقتين بقدرتنا ثم فصلنا كلا منهما عن الاخرى.
النظرة العلمية: يتفق نص هذه الآية مع أحدث النظريات في نشأة الارض والسماء وذلك أنهما كانتا في أول أمرهما ملتصقين داخل السديم الذى يحتويهما، ثم إنهما انفصلتا نتيجة انفجارات شديدة حدثت داخل السديم وتم الانفتاق المذكور في الآية بعد أن كانتا مرتوقتين أى متصلتين بعضها ببعض وفي ذلك إشارة لما حدث في الكون من انفجارات انتشرت بسببها مادة الكون فيما حولها من فضاء وفراغ انتهت بتكوين مختلف أجرام السماء المختلفة.
[62]
وقال تعالى في سورة الواقعة آية - 75، 76:(فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه قسم لو تعلمون عظيم).
تفسير علماء الدين: فأقسم حقا بمساقط النجوم عند غروبها آخر الليل وهى أوقات التهجد والاستغفار وأنه لقسم - لو تفكرون في مدلوله - عظيم الخطر بعيد الاثر.
النظرة العلمية: يقسم المولى تبارك وتعالى بمواقع النجوم لان القسم بمواقعها يوجه الانتباه إلى أن المسافات بين النجوم تبلغ حدودا لا يتصورها الخيال فمثلا نجد أن أقرب نجم إلينا في مجرتنا وهى الشمس تبعد عنا بمقدار 500 ثانية ضوئية بينما النجم الذى يليها في القرب يبعد عنا بمقدار أربع سنوات ضوئية تقريبا، والسنة الضوئية تدل على مدى المسافة التى يقطعها الضوء في سنة كاملة علما بأن سرعد الضوء تساوى 300 ألف كيلومتر في الثانية، ثم إن هناك مدلولا علميا آخر عن مواقع النجوم وهى أن موقع الشمس موقع بالغ الدقة في وضعه لكى تستقيم معه الحياة على كوكبنا الارضى، لانها لو تقدمت عن موضعها الاحالى لاحترقت الارض من شدة حرارتها ولو تأخرت عن موضعها لبردت الارض وتجمدت فيها البحار والمحيطات وتصير غير صالحة لحياة البشر عليها.
ويلى هذه الآية قول الله
أنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون) وهذا القسم للاشادة بشأن القرآن وأنه كثير المنافع وأنه محفوظ في لوح مصون لا يطلع عليه غير المقربين من الملائكة.
[63]
وقوله تعالى في سورة الرحمن آية - 19، 20:(مرج البحرين يلتقيان، بينهما برزخ لا يبغيان، فبأى آلاء ربكما تكذبان؟).
تفسير علماء الدين: أرسل الله البحرين العذب والملح يتجاوران وتتماس سطوحهما وبينهما حاجز من قدرة الله لا يطغى أحدهما على الآخر فيمتزجان، وقد ذهب بعض المفسرين القدماء في تفسير هذه الآية إلى القول بأن المقصود بالبحرين الانهار والبحار ويستدلون على ذلك بقوله تعالى: وهو الذى مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج، وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا، فبأى نعمة من تعم ربكما تجحدان؟.
النظرة العلمية: تشير هذه الاية إلى نعمة الله على عباده وهى عدم اختلاط مياه البحار المتجاورة بل جعل بينهما قانونا ثابتا يحكم فيهما العلاقة بينهما من حيث الكثافة والملوجة وما فيهما من أحياء مائية كأن بين كل بحر وآخر حاجزا غير ظاهر للعيان لم تقمه يد الانسان ولكن أقامته يد الرحمن ومن عجائب قدرة الله تعالى أنه جعل ماء النهر لا يؤثر في ماء البحر فيغير ملوحته كما لا يؤثر ماء البحر في ماء النهر لان النهر الذى يصب في البحر يكون عادة في مستوى أعلى من مستوى سطح البحر، وتدل المشاهدة على أن مياه نهر الامزون الذى يصب في المحيط الاطلسى تندفع مسافة 200 ميل في المحيط حافظة لعذوبتها طول هذه المسافة، وفي الخليج العربى نجد عيونا من الماء العذب تفيض داخل ماء الخليج الملح بماء عذب.
[64]
وقال تعالى في سورة الطارق آية - 11: 12: والسماء ذات الرجع والارض ذات الصدع(إنه لقول فصل وما هو بالهزل).
تفسير علماء الدين: أقسم بالسماء ذات المطر الذى يعود ويتكرر عل الارض ذات الانشقاق عن النبات الذى يخرج منها، إن القرآن فاصل بين الحق والباطل، وليس فيه شائبة من لهو ولعب بل هو الحق لا مرية فيه.
النظرة العلمية: يتجلى إعجاز القرآن في كلماته الحقة التى تنطوى على معان دقيقة وتحمل علما إلهيا لا علما بشريا، ففى قوله تعالى والسماء ذات الرجع أى أنها ترجع وتعيد لارض ما يصعد من بحارها ومحيطاتها من بخار الماء الذى يتجمع مكونا سحبا ثم يتكاثف ويسقط الامطار الغزيرة على الارض كما أقسم سبحانه بالارض ذات الصدع أى التى تتصدع وتتشقق ليخرج منها النبات بعد ارتوائها بماء المطر، كما أنها أيضا ذات الصدوع التى تكونت في باطنها وصارت مكامن تتفجر منها مواد الغاز الطبيعى والبترول وينابيع المياه الكبريتية وكأنها تعيد لنا ما انطوى في باطنها من النبات بعد تحوله وتحلله إلى مواد أخرى.
وقال تعالى في سورة النبأ آية 6:(ألم نجعل الارض مهدا والجبال أوتادا).
تفسير علماء الدين: ألم نجعل الارض مهادا أى فراشا ومناما، والجبال أوتادا لها لكى لا تميد بهم
[65]
النظرة العلمية: تمكن الانسان بوسائله العلمية المختلفة أن يثبت أن الجزء الصلب من القشرة الارضية يبلغ سمكه 60 كيلومترا، وأن بعض هذه القشرة يرتفع مكونا الجبال وينخفض بعضها ليكون قيعان البحار والمحيطات، وأن وجود الجبال على سطح الكرة الارضية موزعة بدقة وحكمة يساعد على التوازن بين المرتفعات والمنخفضات بحيث لا تميد الارض ولا تضطرب، فكأن هذه الجبال تعمل عمل الاوتاد التى تحفظ توازن الخيمة واستقرارها.
وهناك حقيقة علمية أخرى وصل إليها البحث العلمى في توزيع الجبال واليابس والماء على سطح الارض بنسب أحجامها الحالية علاوة على التوزان بحيث لا تميد الارض ولا تحيد عن موضعها، وهى أنه لو كانت الارض بحجمها الحالى مكونة من الماء بنسبة أكبر لبلغ وزنها أقل مما هي عليه الآن ولما تمكنت من حفظ نسبة بعدها عن الشمس بل لانجذبت إليها واحترقت ولو كان أكثرها مكونا من اليابس لزاد وزنها عما هي عليه الآن ولبعدت عن الشمس البعد الذى لا تتحقق معه الحياة لانها في هذه الحالة تتجمد من شدة البرودة.
وقال تعالى في سورة آل عمران آية - 137:(قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الارض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين).
تفسير علماء الدين: قد مضت من قبلكم أيها المؤمنون سنن الله في الامم المكذبة بإمهالهم ثم أخذهم الله بذنوبهم فتأملوا عواقبهم.
[66]
النظرة العلمية: يقرر العلم أنه يكفى لتحصيل العلم قراءته ودراسته بل يختط لنا منهجا عمليا للوطول إلى العلم الصحيح هو منهج(السير والنظر) فقى السير مشاهد مختلفة يراها السائر، وفي تأملها تبدو له ملاحظات هامة يجمعها ثم يستقرئها ليستنبط منها القوانين العامة التى تربط بعضها وهذا هو المنهج الاستقرائى الذى توصل إليه بيكون أحد العلماء الانجليز بعد نزول القرآن بألف سنة.
وقال تعالى في سورة هود آية - 7:(وهو الذى خلق السماوات والارض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا).
تفسير علماء الدين: والله خلق السماوات والارض وما فيهما في ستة أيام، ومن قبل ذلك لم يكن في الوجود أكثر من عالم الماء ومن فوقه عرش الله، وقد خلق الله هذا الكون ليظهر بالاختبار أحوالكم وأعمالكم ويعلم من يقبل على الله بالطاعة ومن يعرض عن ذلك.
النظرة العلمية: ترد كلمة العرش في اللغة بمعنى سرير الملك، ورب العرش هو الله جل جلاله الذى وسع كرسيه السماوات والارض جميعا، وتعنى كلمة السماء كل ما أظلك وعلاك، وتشمل طبقات الهواء الذى تقل كثافته تدريجا كلما علونا حتى تصل هذه
[67]
الطبقات العليا إلى مناطق الفراغ الكونى والفضاء اللانهائى حيث تسبح النجوم والكواكب في أفلاكها بنظام دقيق طبقا لقانون الجاذبية، وتوضح هذه الآية الكريمة ما توصلت إليه النظريات الحدينة عن نشأة الارض، وخلاصتها أن أرضنا كانت جزءا متصلا بجرم الشمس ثم انفصلت وابتعدت عنها تبأثير عوامل خارجية طارئة عليها، وبعد انفصالها صارت كرة ملتهبة بداخلها مواد منصهرة لشدة حرارتها، وتحيط بها طبقات كثيفة من غازات وأبخرة أخذت تشع حرارتها الشديدة في الفضاء وتبرد شيئا فشيئا، واقترنت برودتها بانكماشها وتغضن في سطحها أى بارتفاع أجزاء منها وانخفاض أخرى، وهبوط المواد الثقيلة من عناصرها إلى مركز الارض الباطنى وطفو المواد الخفيفة منها حول قشرتها، وقد استغرقت برودة قشرة الارض ملايين سنين التى عبر عنها القرآن بستة يام، وأيام الله لا يعلم مدى مدتها وأزمانها إلا الله سبحانه وتعالى لانها تحسب بملايين السنين وفي خلال الزمن الطويل الذى استغرقته برودة القشرة الارضية تكاثرت فوقها كتل كثيفة من الغازات والابخرة، مكونة سحبا متراكمة سميكة ظللت الارض بظلمات جو قاتم يتخلله برق ورعد وانهمار للمطر بكميات هائلة من المياه التى غمرت سطح الارض وغمرت جميع المنخفضات في الارض وكونت البحار والمحيطات، كما أنها نسربت إلى الفجوات والانكسارات والشقوق داخل الارض مكونة بها المياه الجوفية، وقد استمر انهمار المطار بدون انقطاع حتى زاد وعلا التلال والهضباب والجبال وغطاها كلها ولم يبق ظاهرا على وجه الارض سوى عالم الماء ولا شئ غيره يحيط بالكرة الارضية من جميع أقطارها، ومعنى ذلك أن الارض قبل أن تقوم عليها الحياة بصورتها الحاضرة من يابس وماء ونبات وحيوان كانت عالما واحدا فقط من الماء يمتد تحت عرش الله المسيطر والمهيمن بسلطانه على الاكوان كلها.
[68]
وهذا يذكرنا بكل جلاء ووضوح معنى الآيات التى فيها تسأل يلفت النظر إلى قدرة الله عظمته وحكمته وإرداته في ملكه بقوله تعالى
أءنتم أشد خلقا أم السماء بناها، رفع سمكها فسواها، وأغطش ليلها وأخرج ضحاها، والارض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها، والجبال أرساها متاعا لكم ولانعامكم).
فسبحانه من إله قادر مقتدر خلق فسوى وقدر فهدى وأمرنا بالتفكير والتدبر في مخلوقاته ومصنوعاته كما يقول تعالى في سورة العنكبوت آية - 20:(قل سيروا في الارض فانظروا كيف بدأ الخلق، ثم الله ينشئ النشأة الآخرة، إن الله على كل شئ قدير)) وها هو القرآن يدعونا إلى التفكر في بدء الخلق منذ أن تصلبت قشرة الارض الخارجية وتكونت عليها القارات والمحيطات لذلك اجتهد علماء الجيولوجيا أن يقرأوا تاريخ الارض من طبقات الصخور الرسوبية التى تراكمت عليها وفى طياتها الكثير من بقايا الكائنات الحية التى عاشت عليها سواء كانت لحيوان أو نبات وهذه البقايا المتحجرة هى ما نسميه اليوم بالحفريات، وهى في واقعها سجل حافل بتاريخ الخليقة منذ بدايتها، وقد استطاع العلم بوسائله المتقدمة أن يقرأ كثيرا من صفحات هذا السجل ويعرف حقائق كثيرة عن نشأة الارض وتطوراتها خلال الازمنة الجيولوجية.
وقال تعالى في سورة البقرة آية - 29:(هو الذى خلق لكم ما في الارض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شئ عليم).
[69]
تفسير علماء الدين: إن الله هو الذى تفضل عليكم بأن خلق لمنفعتكم وفائدتكم كل النعم الموجودة في الارض، ثم توجهت إرادته إلى السماء فجعل منها سبع سماوات فيها ما ترون وما لا ترون والله محيط بكل شئ.
النظرة العلمية: جاء في تفسير علماء الفلك لهذه الآية أنه يصح أن يراد بالسماوات السبع مدارات الكواكب السيارة التى تدور حول الشمس، ويصح أن يراد بها الطبقات المختلفة لما يحيط بالارض، ذلك أن الله تعالى بعد أن أكمل تكوين الارض ودبت الحياة على سطحها وجعل حولها أجواء من طبقات أودع فيها وسائل لوقايتها من أهوال الفضاء الذى يرسل باشعاعات مهلكة وتتهاوى فيه شهب ونيازك مدمرة، وهذه الطبقات لم تعرف خواصها إلا في العصور الحديثة فأنى لمحمد النبى الامى العلم بها؟ وقال تعالى في سورة الانبياء آية - 32:(وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون).
تفسير علماء الدين: وجعلنا السماء فوقهم كالسقف المرفوع، وحفظناها أن تقع، أو يقع ما فيها عليهم، وهم مع ذلك منصرفون عن النظر والاعتبار بآياتنا الدالة على قدرتنا وحكمتنا ورحمتنا.
[70]
النظرة العلمية: تقرر هذه الآية الكريمة أن السماوات وما فيها من أجرام حافظة لكيانها ومتماسكة فيما بينها ولا خلل يعتورها ومحفوظة من أن تقع على الارض، هي كل ما علانا وهي تبدأ بالغلاف الهوائى الذى يحمى أهل الارض من كثير من أهوال الفضاء التى لا تستقيم معها الحياة بأى حال، مثل الشهب والنيازك والاشعة الكونية وفوق الارض الغلاف الهوائى الذى تحتفظ به الارض بقوة الجاذبية ولا سبيل إلى فقده في خضم الفضاء المتناهى، وفوق الغلاف الهوائى أجرام السماء على أبعاد مختلفة وتدور دوراتها المنتظمة في أفلاكها منذ أن خلقها الله تعالى.
قانون الجاذبية
توجد في الكون نظم لها قوانين لا تتبدل ولا تتغير منذ الازل ومن أول هذه القوانين قانون الجاذبية الذى يعمل على تجميع شتات الاجزاء المادية المتقاربة في أبعاد دقيقه محددة، ولولا قوة هذا القانون لسقطت الكائنات في هاوية الفضاء، ويتركز ثقل الارض في مركز تكورها أى أن الارض تجذب الاجسام التى عليها نحوه، وقد اكتشف هذا القانون نيوتن العالم الانجليزى الذى لاحظ يوما أن تفاحة سقطت من شجرتها على الارض فأخذ يفكر في سبب سقوطها إلى أن وصل إلى قانون الجاذبية الذى يثبت أن كل جسم مادى يجذب غيره من الاجسام المادية بقوة تزيد أو تنقص حسب الكتلة والمسافة بينهما، كما يدل على ذلك علم الديناميكا، وهذا هو القانون الذى يربط الاجرام السماوية ويحفظ تماسكها وانتظامها في مداراتها.
[71]
وقال تعالى في سورة الفرقان آية - 61:(تبارك الذى جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا).
تفسير علماء الدين: تعالى الرحمن وتزايد فضله، أنشأ الكواكب في السماوات وجعل لها منازل تسير فيها وجعل من الكواكب الشمس سراجا مضيئا وقمرا منيرا.
النظرة العلمية: يرى سكان الارض نجوم السماء على هيئة مجموعات تكاد تحتفظ بصورها على مر الاجيال، والبروج هى تلك المجموعات من الاجرام التى تمر أمامها الشمس أثنا دورانها الظاهرى من حول الارض، فالبروج كأنها منازل الشمس في دورانها أثناء السنة.
وكل ثلاثة منها تؤلف فصلا من فصول السنة، وعدد هذه البروج اثنى عشر وهى: الحمل والثور والجوزاء والسرطان والاسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدى والدلو والحوت، وفي قوله تعالى في وصف الشمس أنها سراج اشارة إلى أنها مصدر الطاقة الحرارية نظرا للتفاعلات الذرية في داخلها، والاشعاع الشمسى المنبعث من هذه الطاقة يسقط على الكواكب والارض والاقمار وسائر اجرام السماء غير المضيئة، أما القمر فينير بضياء الشمس المرتد على سطحه.
وقال تعالى في سورة يس آية - 38:(والشمس تجرى لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم).
[72]
تفسير علماء الدين: إن الشمس تجرى ليلا ونهار لغاية محددة لها وإلى مستقر قدره الله لها زمانا ومكانا وذلك تدبير الله الغالب بقدرته والمحيط علما بكل شئ.
النظرة العلمية: يقرر علم الفلك بأن الشمس لها مجموعة من الكواكب والاقمار والمذنبات تتبعها دائما وتخضع لقوة جاذبيتها وتجعلها تدور من حولها في مدارات متتابعة بيضاوية الشكل، وجميع أفراد هذه المجموعة تنتقل مع الشمس خلال حركتها الذاتية، والخلاصة أن المجموعة الشمسية تجرى في الفضاء بسرعة محدودة وفي اتجاه محدود، وتبلغ هذه السرعة حوالى 700 كيلومتر في الثانية، وتتم دورتها حول المركز في مدى 200 مليون سنة ضوئية، ولم يتوصل علماء الفلك إلى معرفة هذه الحركة واتجاهها إلا في أوائل القرن العشرين فأين هذا من وقت نزول القرآن حيث لم يكن محمد النبى الامى ولا قومه يعرفون شيئا من ذلك.
وقال تعالى في سورة الرحمن آية 33 - 35:(يا معشر الجن والانس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والارض فانقذوا لا تنفذون إلا بسلطان فبأى آلاء ربكما تكذبان، يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران).
تفسير علماء الدين: يا معشر الجن والانس إن استطعتم أن تخرجوا من جوانب السماوات والارض هاربين فأخرجوا، لا تستطيعون الخروج إلا بعوة وقهر، ولن يكون لكم ذلك،
[73]
فبأى نعمة من نعم ربكما تكذبان؟ يصب عليكما لهب من نار ونحاس مذاب فلا تقدران على دفع العذاب النظرة العلمية: قد يتوهم العامة من أهل عصرنا هذا عصر غزو الفضاء أن الانسان قد حقق أعظم اتجاز علمى وعملى بالصعود إلى القمر وأنه تمكن بفضل مخترعاته وأجهزته أن يسير فوق سطح القمر، وأن يحضر معه في عودته عينات من صخوره وترابه لتحليلها والتعرف على عناصرها، وظن بعض البسطاء والجهلاء بآيات القرآن أن الانسان بعمله هذا قد تمكن من النفاذ إلى أقطار السماوات وأنه حقق هذا النفاذ بسلطان العلم، والحقيقة أن هذا الزعم لا أساس له مطلقا من الصحة لان كلمة سلطان التى أولها المتأولون خطأ بمعنى سلطان العلم إنما هى في حقيقة الامر سلطان الله سبحانه وهو السلطان الآلهى الذى نفذ بقوته النبى صلى الله عليه وسلم إلى أقطار السماوات ليلة معراجه، لانه هو السلطان القاهر على إخضاع سنين الكون وقوانينه لارادة الله تعالى.
ويرى العلم الحديث في هذه القضية أن القمر الذى وصل إليه الانسان بقوة صواريخه إنما هو جرم صغير تابع للارض، وكأنما هو ضاحية قريبة من ضواحيها إذا لا يبعد عنها بأكثر من 240000 كيلومتر، فأين هذا البعد من أقطار السماوات التى يبلغ أبعاد القريب منها عن الارض بألف سنة ضوئية، مع العلم بأن الضوة يسير بسرعد 300000 كيلومتر في الثانية فكم من الكيلومترات يقطع الضوء في الدقيقة ثم في الساعة ثم في اليوم ثم في الشهر ثم في السنة أنه يقطع في السند مسافات لا تقدر بأرقامنا الحسابية وإنما هى أرقام فلكية خيالية.
ولنضرب مثلا يبين لنا استحالة الوصول إلى هذه الاقطار السحيقة أننا لو أردنا
[74]
الوصول إلى الشمس وهى أقرب النجوم إلى الارض واستخدمنا قطارا من قطر السكة الحديدية وجعلناه يسير بسرعة 60 كيلو مترا في الساعد ليلا ونهارا بدون انقطاع لوصل إليها بعد 300 سنة، فما يالك بمدة الزمن اللازم للوصول إلى نجم يبعد عن الارض بألف سنة ضوئية.
المجموعة الشمسية
الشمس والارض والقمر والنجوم والكواكب والشهب ألفاظ جاءت في القرآن كثيرا، فالشمس ذكرت 33 مرة، والارض ذكرت 461 مرة، والقمر ذكر 27 مرة، وهذه الاجرام السماوية هى وحدات من المجموعة الشمسية التى هى المجموعة الوحيدة من بين آلاف المجموعات التى يتألف منها الكون والتى يمكن القول بأننا نعرف عنها بعض الحقائق لاننا نعيش فيها.
وتتكون المجموعة الشمسية من نجم عظيم يشغل مركزها وهو الشمس، ومن عشر كواكب سيارة تدور حول هذا النجم في اتجاه واحد من الغرب إلى الشرق وفي مستوى واحد، وكأنها كرات مختلفة الاحجام تطفو فوق الماء، وهذه الكواكب هى: عطارد والزهرة والارض والمريخ والكويكبات والمشترى وزحل وأورانوس ونبتون وبلوتو، وتختلف أحجام هذه الكواكب، وإن أكبرها حجما هو المشترى الذى يقع في مركز متوسط بينها، أما بقية الكواكب فإن أحجامها تتدرج في الصغر كلما بعدت عنه في كلا جانبيه، ولبعض هذه الكواكب أقمار تابعة لها تدور حولها، وللارض قمر واحد يدور حولها، وإليك تعريفات موجزة عن بعض أفراد المجموعة الشمسية وهما الشمس والقمر:
[75]
الشمس: نجم عظم الحجم يبلغ حجمه بالنسبه لحجم الارض 000 , 1305 مرة وتصدر منه الحرارة والضوء، وتندلع في بعض نواحيه ألسنة من اللهب تمتد آلاف الكيلومترات في الفضاء، وتدور الشمس حول محورها كما تدور الارض حول محورها، وتكمل الشمس دورتها في 26 يوما وقد تمكن العلماء من تحديد هذه المدة بملاحظة دورة البقع الشمسية وهى المعروفة باسم الكلف الشمسى على سطحها، وينبعث من هذه البقع غازات وأعاصير يمكن تسجيلها عن طريق التحليل الطيفى، لمعرفة عناصرها، وتبلغ درجة حرارة الشمس عند سطحها 6000 درجة مئوية ولكنها في مركزها الباطنى تربو على 15 مليون درجة، ورغم أن الشمس تدور حول نفسها، فإنها ليست ثابتة في مكان واحد بل إنها تسير في الفضاء وتسير معها أسرتها تنبعها وهى تجرى لمستقر لها.
القمر: تابع للارض يدور حولها مرة في كل شهر قمرى، والارض تدور في نفس الوقت حول شمس، وتبلغ سرعة القمر أثناء دورته حول الارض 3300 ميلا في الساعة، وتبلغ كتلة الارض 80 مرة قدر كتلة القمر، ويبعد القمر عن الارض بمقدار 240000 كيلومتر، ويستخدم الرادار في قياس أبعاد الاجرام السماوية القريبة فقط: مثل القمر وذلك بمعرفة الزمن الذى تقطعه الموجة اللاسلكية في الذهاب ألى القمر والعودة منه، ويدور القمر حول محوره ببطئ شديد، ولذا كان يومه أطول من يومنا كثيرا، فيستغرق كل من الليل والنهار أسبوعين، أى أن الشهر القمرى نصفه نهار على وجه من القمر، ونصفه ليل على وجهه المقابل، ولذا تصل الحرارة في النصف المقابل للشمس حوالى 130 درجة مئوية، بينما تهبط أثناء الليل في النصف الآخر إلى حوالى 150 درجة مئوية تحت الصفر.
معجزة القرآن في وصف الكائنات
لقد جاء حديث القرآن عن الكائنات التى أبدعتها يد القدره مناسبا لجميع الناس على اختلاف درجات عقولهم وأفهامهم فكان لهم من ظاهره معان واضحة سهلة تصور لهم روعة صنعة الخالق كما يشاهدونها أمامهم، وتبين لهم ما فيها من آيات القدرة العظيمة المبدعة ودلائل العلم الواسع المحيط بكل شئ والموجه للعقول إلى فهم رحمة الله ومبلغ لطفه بعباده لكي يتعرفوا منها بالتعقل والتبصر على خالق الخلق وجلال ذاته وكمال صفاته إذ الصنعة دليل ساطع على قدرة الصانع وإبداعه.
ولكن المتأملين في حديث القرآن من أهل العلم والخبرة بالكائنات يرون في ألفاظ القرآن وعباراته أنها فوق معانيها الظاهرة وأن لها معان دقيقة تنطوى على اصول وجوامع من العلم الواسع الدقيق الذي لم يكن معروفا للناس من قبل ولم يتعرفوا عليه إلا بعد انتشار العلم الحديث بينهم في القرنين الاخيرين، وانكشفت هذا المعاني للمتأملين من أصحاب العقول الراجحة في ضوء علومهم الخاصة إما من صريح النص القرآني أو من إشارات ورموز لها.
وقال تعالى: في سورة يس آية - 39: " والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم " تفسير علماء الدين: والقمر جعلنا له منازل كمنازل الشمس، وهو يزيد وينقص حتى يصير كالعذق للقوس أو السباطة اليابسة إذا حال عليها الحول وجفت.
[77]
النظرة العلمية: دلت الدراسات الفلكية على أن القمر يدور حول نفسه، وفي نفس الوقت يطوف حول الارض مرة واحدة في كل شهر، ولا يظهر لنا من القمر مدة دورته هذه سوى وجه واحد هو الوجه المواجه للارض، أما جهة الآخر فلم ولن يراه سكان الارض، وتعرف دورته هذه بالشهر القمري، وفي كل يوم من هذا الشهر يبدو لنا القمر بأوجه مختلفة، ففي أول الشهر يكون في المحاق لانمحاق نوره أي اختفائه ثم يكون بعد سبعة أيام في التربيع الاول، ثم يكون بدرا في وسط الشهر ثم يكون في التربيع الثاني بعد الاسبوع الثالث، ثم يكون في المحاق آخر الشهر وهكذا دواليك، وبذلك يعرف الناس المواقيت.
وتعبير القرآن بالعرجون القديم الذي لا خضرة فيه ولا ماء ولا حياة هو تشبيه علمى يمثل لنا حالة القمر الواقعية بأنه لا حضرة فيه ولا ماء ولا حياة، وقد تحقق ذلك فعلا بعد أن تمكن الانسان أخيرا من النزول على سطح القمر والسير فوقه ومشاهدة معالمه المقفرة، فسبحان من بيده ملكوت كل شئ وهو على كل شئ قدير.
وقال الله تعالى في سورة يس آية 40:(لا الشمس ينبغى لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون).
تفسير علماء الدين: إن الشمس لا يصلح لها أن تطلع في سلطان القمر فيذهب ضوؤه، ولا الليل
[78]
يطلع في سلطان النهار فيذهب ضوؤه بل إن الشمس والقمر والنجوم كل منها في أفلاكها تدور ولا تخرج عنها.
وتفسيرا آخر يقول: لا الشمس يتأتى لها أن تخرج على نواميسها فتلحق القمر وتدخل في مداره ولا الليل يتأتى له أن يغلب النهار ويحول دون مجيئه بل هما متعاقبان وكل الاجرام السماوية تسبح في أفلاك لا تخرج عنها.
النظرة العلمية: يثبت العلم الحديث أنه لا يمكن أن تدرك الشمس القمر ولا يمكن أن يتلاقيا لان كلا منهما يجرى في مدار مواز للآخر فيستحيل أن يتقابلا لان الخطين المتوازين لا يتلاقيان أبدا، كما يستحيل أن يسبق الليل النهار لان ذلك يتطلب من الارض أن تدور عكس اتجاهها الطبيعى الذى هو من الغرب إلى الشرق، وهو أمر مخالف لناموس الكون والله سبحانه يقول في كتابه العزيز
إنا كل شئ خلقناه بقدر).
وقال تعالى في سورة يونس آية - 5:(هو الذى جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون).
تفسير علماء الدين: إن ربكم هو الذى جعل الشمس تشع بالضياء وجعل القمر يرسل النور، وجعل للقمر منازل ينتقل فيها فيختلف نوره تبعا لهذه المنازل لتسعينوا بهذا
[79]
في تقدير مواقيتكم وتعلموا عدد السنين والحساب، وما خلق الله ذلك إلا بالحكمة وهو سبحانه يبسط في كتابه الآيات الدالة على ألوهيته وكمال قدرته لكى تتدبروها بعقولكم وتستجيبوا لما يقتضيه العلم.
النظرة العلمية: كشفت هذه الآية الكريمة عن حقائق لم تكن معروفة للناس قبل نزولها، كشفت عن أن الشمس نجم تنبعث منه حرارة وضوء كما هو شأن سائر النجوم التى هى أجرام ملتهبة ومضيئة في آن واحد، وأن القمر كوكب أى جسم بارد مظلم يستمد ضوءه وحرارته من الشمس، وأن القمر يتحرك في مداره مرة في كل شهر بتوقيت دقيق يعرف منه عدد الايام وحسابها في الشهور والاعوام فلولا هذه الحركة المنتظمة ما عرف الانسان وقته ولا كيف يحسب الشهور والاعوام.
فهل كل هذا النظام الدقيق والتدابير المحكمة يحدث عبثا واعتباطا وبلا غاية؟ كلا ! إنه تقدير العزيز الحكيم الذى أراده رحمة بمخلوقاته وكائناته التى جعل الارض مستقرا لها ومجالا لنشاطها.
وقال الله تعالى في سورة يونس آية - 6(إن في اختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السماوات والارض لآيات لقوم يتقون).
تفسير علماء الدين: إن في تعاقب الليل والنهار واختلافهما بالزيادة والنقصان وفى خلق السماوات
[80]
والارض وما فيهما من الكائنات لادلة واضحة وحججا بينة على ألوهية الخالق وقدرته لمن يتجنبون غضبه ويخافون عذابه.
النظرة العلمية: يقرر العلم الحديث أن طول كل من الليل والنهار يختلف باستمرار على مدار السنة، وأن هذا الاختلاف في التوقيت يرجع إلى دوران الارض حول الشمس وحول محورها المائل على مداره بمقدار 2 / 1 و 23 مما يجعل الليل يطول أو يقصر بحسب تعامد الشمس على المكان أو ميلها عنه، وهذه حقائق كونية تكون في حكم البدهيات لمن يدرس مبادئ الجغرافيا.
وقال تعالى في سورة الرعد آية 41:(أو لم يروا أنا نأتى الارض ننقصها من أطرافها؟ والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب).
تفسير علماء الدين: إن الارض التى استولى عليها الكافرون يأخذها منهم المؤمنون جزءا بعد جزء وبذلك تنقص عليهم الارض من حولهم، والله وحده هو الذى يحكم بالنصر أو الهزيمة وبالثواب أو العقاب ولا راد لحكمه، وحسابه سريع في وقته فلا يحتاج حكمه إلى وقت طويل لان عنده علم كل شئ.
النظرة العلمية: تحتمل هذه في تفسيرها علميا أنها تطابق ما وصل إليه علماء الفلك من أن الكرة لارضية تفلطحت عند القطبين وانبعجت عند خط الاستواء بسبب
[81]
سرعة دورانها حول نفسها التى تبلغ سرعتها نحو ألف ميل في الساعة وأن جزئيات من الغازات والعناصر المحيطة بوسط الكرة الارضية تنطلق بقوة الطرد المركزية إلى الخارج حول خط الاستواء مما يساعد على الانبعاج أى زيادة في شكلها عند خط الاستواء ونقص في طرفى القطبين.
وقال تعالى في سورة النمل آية - 88:(وترى الجبال تحسبها جامدة وهى تمر مر السحاب صنع الله الذى أتقن كل شئ إنه خبير بما تفعلون).
تفسير علماء الدين: إنك يا محمد ترى الجبال وقت النفخة الاولى تحسبها جامدة ساكنة مستقرة وهى تمر في الهواء مر السحب صنع الله الذى أتقن كل شئ من الخلق وأنه خبير بما تفعلون من الخير والشر(ومعنى ذلك في رأيهم أن حركة الجبال هذه لا تكون إلا يوم القيامة فقط).
النظرة العلمية يقرر العلم الحديث أن الكرة الارضية منذ نشأتها تدور حول نفسها باستمرار أمام الشمس مرة في كل يوم، وأنها تدور مرة كل سنة حول الشمس، شأنها في ذلك شأن جميع الاجرام السماوية التى تسبح في أفلاكها بانتظام، وعلى ذلك فكل ما على الارض من جبال وبحار وغلاف جوى كلها تشترك مع الارض في دورتها اليومية حول محورها ودورتها السنوية حول الشمس مع ملاحظة أن كلمة تحسب الواردة في الآية بمعنى تظن لا تتفق مطلقا مع ثبوت كل شئ يوم القيامة الذى
[82]
لا شئ فيه سوى اليقين الذى لا شك فيه، ولا ظنون بأى حال من الاحوال، والذى لا شك فيه أن الارض متحركة حول نفسها وحول الشمس في وقت واحد وليست ثابتة لانها لو كانت ثابتة لما حدث الليل والنهار ولما حدثت الفصول الاربعة.
وقال تعالى في سورة الفرقان آية - 45، 46:(ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا).
تفسير علماء الدين: أنظر إلى صنع ربك كيف بسط الظل بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس من المشرق إلى المغرب ولو شاء لتركه دائما ثم جعل الشمس تزيل منه بما يحل محله من أشعتها فكانت الشمس دالة عليه ولولاها ما عرف الظل، ولو شاء الله لجعل الظل ساكنا مطبقا على الناس فتفوت مصالحهم ومرافقهم.
النظرة العلمية: في هذه الآية دليل قوى على دوران الارض حول نفسها، وأن هذا الدوران ضرورى للكائنات الحية فوق الارض لانها لو كانت غير متحركة لسكن الظل ولم يتغير طولا أو قصرا، ولظلت أشعة الشمس مسلطة على نصف الكرة الارضية باستمرار، بينما يظل النصف الآخر ليلا دائما وهذا ما يسبب اختلافا كبيرا في التوازن الحرارى على الارض ويؤدى ذلك إلى هلاك البشر من شدة الحرارة أو من شدة البرودة، والله سبحانه قد جعل نسخ الظل بالشمس تدريجيا وبمقدار، ولم يجعله دفعة واحدة وفي ذلك منافع للناس تحفظ عليهم نظام حياتهم ونشاطهم.
[83]
وقال الله تعالى في سورة الزمر آية - 5:(خلق السماوات والارض بالحق، يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجرى لاجل مسمى ألا هو العزيز الغفار).
تفسير علماء الدين: يقول المفسرون الاوائل إن الله سبحانه وتعالى خلق السماوات والارض متلبسة بالحق والصواب على ناموس ثابت يلف الليل على النهار، ويلف النهار على الليل على صورة الكرة وذلل الشمس والقمر لارادته ومصلحة عباده وكل منهما يسير في فلكه إلى وقت محدود عنده وهو يوم القيامة.
النظرة العلمية تدل الآية على شيئين هما كروبة الارض ودورانها حول نفسها لان معنى التكوير هو لف الشئ على الشئ على سبيل التتابع أى الدوران كما تدل على أن كلا من الشمس والقمر يجرى أى يتحرك في مداره وأن لكل حركة زمنا محددا فالقمر له حركته الشهرية وللشمس حركتها حول نفسها ثم حركتها في مسارها وقد ثبت ذلك بالمشاهدة وبالوسائل والاجهزة الفلكية ويرى العلماء أن للشمس نهاية عندما تستنفد وقودها الذرى ولا يكون ذلك إلا عند فناء الكون حسب تقدير الله وتدبيره لانه سبحانه قدر كل شئ تقديرا.
وقال تعالى في سورة النازعات آية 30:(والارض بعد ذلك دحاها)
[84]
تفسير علماء الدين: والارض بعد ذلك بسطها على الماء ومهدها لسكنى الناس.
النظرة العلمية: توضح المعاجم اللغوية أن كلمة دحاها تؤدى معنى أنه جعلها كالدحية أى كالبيضة لان الادحوة معناها بيضة النعام أو مكان بيض النعام ويكون عادة مستدير الشكل، ولا شك أن هذا يطابق شكل الارض الحقيقى الذى تدل عليه البراهين النظرية والعملية، كما تؤكده الصور التى سجلتها آلات التصوير أثناء رحلات الاقمار الصناعية في الفضاء، ولفظ دحا يدل على شيئين هما البسط مع الاتساع والتكوير في التكوين، وهذه روعة في التعبير عن أن الارض التى نراها أمامنا في الظاهر مبسوطة فسيحة الارجاء هى في واقع الامر مستديرة كالبيضة، وهذا تقدير العزيز الحكيم الذى أتقن كل شئ خلقه.
والانسان في سيره على سطح الارض لا يزيد في حجمه عن نملة ضئيلة جدا تتحرك فوق منطاد ضخم جدا ولا ترى حولها غير استواء طريقها عليه ولا ترى أى انحناء أو استدارة أينما كانت فوقه.
وقال الله تعالى في سورة البقرة آية - 22:(الذى جعل لكم الارض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون).
تفسير علماء الدين: إن الله وحده هو الذى مهد لكم الارض وبسط رقعتها ليسهل عليكم
[85]
الاقامة فيها والانتفاع بهما، وجعل ما فوقكم من السماء وأجرامها وكواكبها كالبنيان المشيد وأمدكم بالماء الذى هو سبب الحياة والنعمة أنزله عليكم من السماء فجعله سببا في إخراج النبات والاشجار المثمرة التى رزقكم بفوائدها فلا يصح مع هذا أن تتصوروا أن لله نظراء تعبدونهم لانه ليس له مثيل ولا شريك، وأنتم بفطرتكم الاصلية تعلمون أنه لا مثيل له ولا شريك فلا تنحرفوا عن ذلك.
النظرة العلمية: يرى العلم الحديث أن موضع الاعجاز في هذه الآية قوله تعالى والسماء بناها، فقد أثبت العلم بما لا يقيل الشك أن السماء في معناها الواقعى والطبيعى هى كل ما يحيط بالارض من جميع أقطارها ابتداء من الغلاف الجوى الذى يرتفع بنحو ثلاثمائة كيلومتر فوق سطح الارض وكأنه بحر من الهواء حول الكرة الارضية ثم إنه بعد هذا الغلاف الجوى يوجد فراغ كونى تسبح فيه ملايين الاجرام السماوية في أعماقه السحيقة وهى تتجاذب فيما بينها وتتحرك في تماسك واتزان في طبقة بعد طبقة وكأنها البناء المحكم، أو كأنها السقف المبنى فوق الارض، فتبارك الله أحسن الخالقين.
وقال تعالى في سورة الانبياء آية 30:(وجعلنا من الماء كل شئ حى أفلا يؤمنون).
تفسير علماء الدين: فسرها المفسرون السابقون بأن الله خلق جميع الاحياء من ماء الذكر والانثى، وأن كل شئ من الكائنات الحية يحتاج إلى الماء في حياته، أفلا يؤمن أهل مكة بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن؟
[86]
النظرة العلمية: يقرر العلم الحديث في تفسير هذه الآية الكريمة أن الماء يدخل في بناء أى جسم حى إذ هو في الحقيقة قوام حياته، فالماء في نظر العلم هو المكون الاصلى في تركيب مادة الخلية، والحلية هى وحدة البناء في كل شئ حى نباتا كان أو حيوانا، كما أن علم الكيمياء في أبحاثه الحديثة قد أثبت أن الماء عنصر لازم وفعال في كل ما يحدث من التحولات والتفاعلات التى تتم داخل الاجسام فهو إما وسط أو عامل مساعد أو داخل في هذا التفاعل أو ناتج عنه، وتقول الآيات الكريمة في قصة خلق آدم أبى البشر عليه السلام أنه خلق من طين، والطين هو خليط من الماء والتراب أى أن الماء عنصر أساسى في تكوين أى شئ حى.
وقال تعالى في سورة طه - آية 50:(قال ربنا الذى أعطى كل شئ خلقه ثم هدى).
تفسير علماء الدين: ربنا الذى منح نعمة الوجود لكل موجود، وخلقه على الصورة التى اختارها سبحانه له، ووجهه لما خلق.
النظرة العلمية: يرى العلم بنور الايمان أن قدرة الله تعالى وحكمته ورحمته قد أودعت في كل شئ خلقه صفاته الخاصة التى تؤهله لاداء وظيفته التى خلق لها ومن أجلها بصورة مدهشة تجعل الانسان يقر بعظمة الله جل جلاله ووحدانيته، فكل مخلوق
[87]
لم يخلق عبثا وإنما خلق ليؤدى الدور الذى أهلته له مقوماته وقدراته واستعداداته.