توصف الأشياء، تبعاً لسخونتها، بأنها حارة، وساخنة، وباردة؛ فيقال يوم قائظ، أو يوم حار، أو شديد الحرارة؛ كما يقال للطبيب، إن المريض ارتفعت حرارته. وهذا التصنيف، نسبي؛ فالشاي يتناول ساخناً، بينما تتناول المشروبات الغازية باردة؛ ولو كان الشاي أقل سخونة من المعتاد، لقيل إنه بارد، ويحتاج إلى تسخين. والشعور بحرارة الهواء نسبي كذلك؛ فدرجة حرارة 30 ْ مئوية، في شهر يونيه، في مدينة الرياض، مثلاً، تجعل اليوم معتدلاً. ولكن الدرجة نفسها، في المكان نفسه، في شهر يناير، تجعل اليوم شديد الحرارة. ولجسم الإنسان درجة حرارة معيارية ثابتة، يقارن بها ارتفاع درجة حرارته أو انخفاضها.
ولكن، من الواضح، أن هناك خلطاً كبيراً بين مفهومَي الحرارة ودرجتها؛ على الرغم من أهميتهما وشيوع استعمالهما. لذا، فإن من الأولى، في بداية البحث، إيضاح الفرق بينهما، وكيفية قياس كلٍّ منهما؛ وتبيان الآلية، التي تنتقل بها الحرارة من جسم إلى آخر. وذلك يشكل أساساً للنظر في التوزع الرأسي للحرارة، في الغلاف الغازي؛ وتوزعها الأفقي، على سطح الأرض.
1- الفرق بين الحرارة ودرجة الحرارة
إن جميع المواد مكونة من جزيئات وذرات، دائمة الاهتزاز والحركة؛ ولكنها متفاوتة السرعة، في المادة الواحدة. فلو أمكن رؤية جزيئات غاز الأكسجين، مثلاً، في حاوية، لتبيّن أن بعضها لا يكاد يتحرك، وبعضاً آخر يتحرك بسرعة عالية، وبعضها الأكبر حركته متوسطة. ولو كانت درجة حرارة Temperature غاز الأكسجين صفراً مئوياً، فإن 1.3% من الجزيئات، سيراوح معدل حركتها بين صفر و360 كيلومتراً، في الساعة؛ و7.7% ستتجاوز سرعتها 2670 كيلومتراً، في الساعة؛ ونحو 91% منها، ستراوح سرعتها بين الرقمين 360 و2670 كيلومتراً، في الساعة. وبذا، فإن متوسط سرعة جزيئات الأكسجين، في هذه الحالة، يساوي 1660 كيلومتراً، في الساعة.
ولكن، ما الذي يحدث لمتوسط سرعة جزيئات الأكسجين، لو ارتفعت درجة الحرارة؟ عند درجة حرارة 30 ْمئوية، سيكون متوسط سرعتها 1750 كيلومتراً، في الساعة؛ وعندما تصل درجة الحرارة إلى 100 ْ مئوية، يرتفع إلى 1941 كيلومتراً، في الساعة. إذاً، كلما ارتفعت درجة الحرارة، ازداد متوسط سرعة الجزيئات. وحركة الجزيئات، تعبّر عن الطاقة الحركية Kinetic energy؛ فدرجة الحرارة لأي مادة، هي مقياس لمتوسط طاقتها الحركية، أو متوسط سرعة حركة جزيئاتها.
والحرارة Heat شكل من أشكال الطاقة. وتعرَّف بأنها إجمالي الطاقة الحركية، لكل الذرات والجزيئات المكونة للمادة. ويمكن أن ينظر إليها، على أنها طاقة في حالة انتقال بين جسمَين، مختلفَين في درجة حرارتهما. ولإيضاح الفرق بين الحرارة ودرجتها قارن بين كوب ساخن من الشاي، وحوض سباحة مملوء بالماء الدافئ. لا شك أن درجة حرارة السائل، في كوب الشاي، سيكون أعلى؛ ولكن كميته، ستكون أقل كثيراً مما في حوض السباحة؛ وستختزن طاقة، أقلّ، كذلك، من الطاقة في مياه الحوض. واستطراداً، فإن إجمالي الطاقة في الكوب، يقل كثيراً عنه في حوض السباحة. ويمكن أن يستدل على ذلك، بوضع مكعب صغير من الثلج في الأول، وآخر في الثاني، والمؤكد أن درجة حرارة الشاي، ستنخفض كثيراً، بعد ذوبان مكعب الثلج؛ بينما لن يتأثر الماء في حوض السباحة؛ إذ إن الطاقة المختزنة في الكوب قليلة، استُهلك جزء كبير منها في إذابة مكعب الثلج الصغير؛ بينما لم يظهر أثر مكعب الثلج في ماء الحوض