هذه الآية التي جاءت في سورة الزخرف [أ] تحدثت عن أنواع الزخرف واشكاله وما يهمنا في هذا الباب زخرف القول للناس و الاستخفاف بهم[ب] بامتطاء جهل الناس الشرعي وقلة علمهم [ت] وهوى النفس [ث] للتدليس عليهم وتزوير الحقائق وخداعهم وتلبيسهم فهما خاطئا يحركهم ويقودهم لضلال وباطل بنظرة فوقية متعالية وازدراء واستحقار ومهانة واحتقار لهم
ففرعون ومن خَلَفَهُ مَنْ كان على شاكلته من ذوي السلطان و الملك معيار الحق عندهم هو صاحب متاع الدنيا وهم لا ينظرون للناس إلا نظرة عبودية لمواليهم فهم الأرباب وعلى العبيد السمع و الطاعة
فلو تأملنا حال فرعون فإن كل حق ينادى به سيف يبتر إحدى أذرع ربوبيته حتى يهلك ظلما وكفرا ، فحال بدء المعركة بين الحق والباطل حتى تراه يستل سيوف الضلال و الباطل ليرد بها سهام الحق قبل ان تهلكه فيبدأ بما يسمى الرد الدبلوماسي [ح] المزخرف – الإستخفاف بهم - بلي عنق الكلام لمستمعيه وإلباسه قناع زائف ( بطلب شواهد وأدلة "ظاهرا من الحياة" مادية محسوسة من خصمه ) على وجود حقيقة ( غير محسوسة لا يمكن قياسها بتلك الأدلة المادية المحسوسة ) للوصول إلى مراد وغاية وهدف وهو ايهام المستمعين إلى عدم وجود هذه الحقيقة ومن ثم عدم طاعته والإنفضاض من حوله .... لقلة علمهم بالحقيقة . [خ]
فهو بذلك يعمل على جذب المستمعين وجمهوره وانزالهم إلى دركات علم هو يريدها ويجذبهم بذلك نحو فكرة هو يريدها ويجعلهم يسيروا في طرقه ودروبه لتغييبهم عن الحقيقة وتزييفها و الابتعاد عنها ويصرف نظرهم عنها ويعود سبب ذلك لجهلهم وعدم معرفتهم وفسقهم [د] فيعمل على استجهالهم [ذ] وتغييب عقولهم بالكلام المعسول الذي يوافق هواهم وفسوقهم للتحايل عليهم ومن ثم ( طاعته ) .
وهذه النظرية يطبقها أولي أمر هذا الزمان بحرفية وفنية واقتدار و بفوقية وعلو وتكبر على شعوبهم بصورة مذلة مهينة فيها رائحة الإستعباد عن طريق تسيير شعوبهم [ر] و التحكم بأفكارهم وحملهم على الضلالة و الخفة و الطيش وما تهوى نفسه وما يوافق أنفسهم ومصالحهم [ز] التي لا تتوافق والوحي وشرعه في الغالب وهذا كله ناشيء من قلة العلم و الجهل الشرعي وفسق من اتبعه .
هذا و الله أعلم
[أ] الزخرف : كل حَسَنِ ظاهر من ( متاع الحياة الدنيا ) يستر عيبا وقبيحا .
[ب] يخفف : يقلل من مقدار معلوم ( كمية حسوسة أو غير محسوسة )
استخف بشيء : قلل من مقدار هذه الكمية بنظرة مزرية ومهينة
مثل استخف بقوة شخص : قلل من مقدار هذه الكمية ( القوة ) بنظرة مزرية مهينة
[ت] الشبهات
[ث] الشهوات
[ج] هذه العبودية بعينها وهي أعلى من درجة الاستخفاف عندما يبدأ لا يواري في زخرفة القول ويصبح قوله ( وكأنه منزلا من رب العالمين ) [ح] بالمعنى اليوناني المنافق الكذاب ذو الوجهين ( المحتال في اجابته )
[خ] فمشهد الإستخفاف يكون بوجود - المُستَخِف - والمُسْتَخَف به - والجمهور ( تبع المُستَخِف ومواليه ) [د] فالنجاة من الاستخفاف العلم والإيمان [ذ] و استغفالهم واستهبالهم واستحمارهم [ر] وخاصة ممن ترتبط اوداجه وشرايينه ومصالحه مع السلطة الحاكمة [ز] لأن سبب وجودهم وحياتهم تشريعه فإن بقي بقوا وإن ذهب ذهبوا